مسقط - الشبيبة
قدمت الكاتبة سعاد عبدالله الكندي جانبا من حياة والدها عبدالله بن موسى الكندي عبر إصدار حمل عنوان: "سندباد من عمان" وقدمت الإهداء "إلى كل الأماكن الشهدة على رحلته.. إلى الشخصيات التي أثرت ورسمت وغيرت مسار الرحلة.. إلى أوطان الغربة التي عبرها قبل عمان وطن الأمان.. إلى أحبة اشتاقوا لحديثه.. وأحفاد لم يتسنّ لهم ذلك"، ورغم صغر الكتاب إلا أنه يضج بالحيوية وهو يرسم حياة مثيرة عاشها الكندي وهو يتنقل في إفريقيا ويخسر أمواله كلها حينما يقرر الارتجال إلى شبه الجزيرة العربية، كما يتعرض في زنجبار للغرق ومعه الذهب الذي اشتراه ليبدأ المتاجرة به.
تضمّن الكتاب الصادر عن دار لبان للنشر نحو 13 مقالا توزعت على محطات مفصلية في حياة عبدالله الكندي، بدأته المؤلفة بالحديث عن "أصل الحكاية" ثم تتابعت العناوين من بينها "عبدالله طفلا.. الغربة الأولى"، ثم "عبدالله يافعا.. الغربة الثانية المغامرة الأولى"، وبعده "عبدالله.. الجندي المتطوع.. المغامرة الثانية" وتستمر الحكاية في رسم ملامح من حياة بطلها، فهو ناشر الأخشاب، ثم الشاب الجندي العماني وهو يعيش غربة الوطن ومغامرته الخامسة، وتأتي بعدها قصة الاغتراب في الخليج، والعودة لاحقا للوطن كنهاية للرحلة، ويرصد مقالا آخر "الحصاد والثروة" قبل أن يصمت، ليتبعه عنوان "ما لم يقله عبدالله"، كما تضمن الكتاب مجموعة من الصور.
وتشير المؤلفة سعاد الكندي إلى أن الكتاب يقدم "صورة اجتماعية تاريخية جغرافية لحياة عاشها بطل هذه الصورة بين سلطنة عمان وأفريقيا ومجموعة من دول شبه الجزيرة العربية. وتدور أحداثها في الربع الثاني والثالث من القرن العشرين، في زمن كانت ترسمه جغرافية المكان بين سهول عمان وغابات أفريقيا وصحاري شبه الجزيرة العربية، كما تمسك بمقوده كيانات متصارعة ودول ناشئة، تستبدل ثوبًا ألبسها إياه الاستعمار برداء لم يُحكَم نسيجه فبدت ألوانه مبعثرة".
حكاية رحلة سندبادية
وتصف رحلة والدها في عدد من بلدان افريقا والخليج بأنها "حكاية رحلة سندبادية فريدة تقترب من الخيال في أجزاء منها، تأخذكم مع عماني مغترب بكل تناقضات ومفارقات ذاك الزمان، وتلك الأماكن، وأولئك الشخصيات التي عاصرها"، وتقدمها الكاتبة على لسانه، باعتبار أن ما يقدمه من رؤية وتفسير وتحليل للأحداث والمعطيات والشخصيات " تعكس الصورة التي كان يرى الأمور عليها من منظوره الشخصي".
وتشير المؤلفة إلى أن "الهدف الأساسي من كتابة القصة، أو رسم هذه الصورة، هو أن يحظى أحفاده ـ الذين لم يتسنَّ لهم لقاؤه والأنس بالحديث معه - بفرصة للتعرف عليه وما خاضه في حياته" منوّهة بالشخصيات التي التقاها "وعلى رأسهم السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- مرورًا بالكثير من الأمراء والشيوخ والشخصيات الهامة في عمان ودول الخليج" مضيفة أن "جميع الأحداث والشخصيات مأخوذة من لقاء صحفي طويل نُشر في مجلة العقيدة التي كانت تصدر من مسقط في سبعينيات القرن العشرين، وكان يرأس تحريرها الأستاذ سعيد بن سمحان الكثيري، وأجرى اللقاء الصحفي مكرم البلاسي".
وبين مقالات الكتاب هناك مقال يتحدث عن مغامرة الراحل كمتطوع خلال الحرب العالمية الثانية، حينما كان في إفريقيا، يقول: "لم أكن مستعدًّا لقضاء ثمانية أشهر على هذا الحال بين الأفارقة الأعاجم، بلباس مزعج وطعام لا يشبه اسمه. وبطبيعة المغامر عزيز النفس، لم تمضِ أيام على ذلك الوضع حتى قررت الفرار من المعسكر، ونيتي التوجه إلى مدينة كيسومو التي تبعد حوالي ثلاثين ميلًا.
مع الفجر تسللت إلى الطريق الذي تكتنفه الغابات والأحراش والجبال المكسوة بالحشائش البرية الكثيفة، ولأني لم أكن أعرف الطريق سرت بمحاذاة قضبان القطار والتي كانت تفاجئني بين منطقة وأخرى بجسر ضيق معلق يتعين عليَّ اجتيازه، وكان خوفي من أن يداهمني قطار قادم يسحقني، فكنت أتردد كثيرًا قبل عبور الجسر. وحصل ما توقعت؛ إذ فوجئت أثناء عبور أحد الجسور بقطار قادم، ولم يكن أمامي إلا التعلق بقضبان السكة الحديدية، تاركًا نفسي بين وادٍ سحيق وعجلات القطار، وأنا لا أعلم إن كنت سأنجو أم لا. أدركت ساعتها كم أفادتني تلك التدريبات العسكرية الشاقة وأنا معلق في الهواء!
بعد ست ساعات مضنية وصلت إلى كيسومو بسلام، بالرغم من الجروح والرضوض والخدوش التي ملأت جسمي وخصوصًا قدمي، إذ كنت قد خلعت الحذاء فور خروجي من المعسكر!!".