مسقط - الشبيبة
بقلم : محمد محمود عثمان
إشكاليات أسواق العمل لا زالت قائمة وسوف تستمر مع استمرار الآثار السلبية لجائحة كورونا ، وسوف تتخطى الأزمة الدول التي تفكر من خارج الصندوق وبواقعية ، ولا سيما أن هناك تباينات بين الفكر العربي والغربي على الرغم من أن الفرق بين الكلمتين « العربي والغربي « مجرد نقطة فوق حرف العين ، ولكن لهذه النقطة تأثير بالغ في كيفية التعامل مع هذه الاشكالية، حيث بدأت دول الغرب في البحث عن الحلول السريعة لاستقرار أسواق العمل لديها ، من خلال البحث عن خطط بديلة والبدء في تنفيذها ، تتمثل في الامتصاص غير المباشر للموارد البشرية المتعلمة والمدربة والتي تتمتع بالخبرة الميدانية من هذه الدول النامية أو الفقيرة ، بعد أن أصبحت أوروبا تعاني من نقص الأيدى العاملة المؤهلة لسوق العمل ، والتي تفتقد التحصيل الدراسى والشهادة والخبرات العملية ، وتأثير ذلك على النمو والعمل والإنتاج .
وكانت التوجهات الرئيسية لمعظم الدول الأوروبية خاصة بعد التأثيرات السلبية المدمرة لجائحة كورونا هواستثمارمخرجات التعليم في الدول النامية التي تتضاعف سنويا بدون ارتباطها بسوق العمل، بعد أن تكبدت تكاليف باهظة في تعليمها وتأهيلها علميا بدون الاستفادة منها ، وحملت ميزانياتها اعباء فوق طاقتها خاصة في قطاعات التعليم بمراحله المختلفة لسنوات طويلة ،وعلى سبيل المثال فإن الدول العربية مجتمعة « في العقد الفائت « أنفقت أكثر من 5% من ناتجها المحلي الإجمالي على التعليم، أي ما يعادل بالتقريب 150 بليون دولار،فيما أنفقت دول الاتحاد الأوروبي في الفترة نفسها من ناتجها المحلي الإجمالي، أكثر من 947 بليون دولار، ومع ذلك تسعى إلى الاستفادة القصوى من مخرجات التعليم في الدول النامية حتى لا تتكبد المزيد من النفقات خاصة بعد أن حذر خبراء فى أسواق العمل الأوروبية من حدوث نقص هائل فى العمالة المتخصصة خلال العقدين المقبلين، فى حال عدم حدوث تغيير فى المسار الحالى للنمو السكانى، لأن الدول التي تعاني من هبوط عدد المواليد، لا تستطيع المحافظة على استقرار النمو في عدد السكان،لذلك ركزت جهودها في تقديم مجموعة حزم من المحفزات تعتمد على محورين الأول هو :الاحتفاظ بالأيد العاملة الأجنبية التي لها وظائف ثابتة أو مهن يحتاجها المجتمع وتوفيق أوضاعها وإعطائها الحقوق والمميزات المتاحة من حيث المسكن والعلاج والتأمينات الاجتماعية ،وذلك لبناء قاعدة اقتصادية قوية ومنتجة ومستقرة في سوق العمل ، وتستطيع الخروج بالاقتصاد من تأثيرات أزمة كورونا بأقل الخسائر، الأمر الذي يفتح المزيد من فرص الوظائف الجديدة خلال الأعوام المقبلة.
والمحور الثاني هو: فتح المجال أمام جذب أعداد هائلة من الشباب المؤهل أكاديميا من الدول الفقيرة ،التي تُخصص بليونات الدولارات للإنفاق على المنظومة التعليمية وتطويرها في إطار الاهتمام بالمواطن وتعليمه بالمجان في مختلف مراحل التعليم ولكنها فشلت في الاستفادة منها ، بعد أن فطنت الدول الأوروبية لذلك لمواجهة مشكلة نقص الأيد العاملة لديها ، التي تأثرت كثيرا من جائحة كورونا ، فبدأت تخطط لابتزاز الدول النامية بطرق غير مباشرة من خلال السماح باستقبال موجات هجرة واسعة لأبناء الدول النامية والفقيرة ،التي تحملت تكاليف البنية الأساسية وتكاليف مراحل التعليم والتدريب لشبابها في المدارس والجامعات لعدة سنوات ،وفي سبيل ذلك تقوم بوضع وتنقيح التشريعات والقوانين التي تنظم تقديم التسهيلات لجذب وتوظيف الوافدين من الجنسيات الأجنبية ومنحهم الإقامات المفتوحة وحق الجنسية لهم ولمن يريد من عائلاتهم ، لتضمن استقرار سوق العمل ، ودوران عجلة الاقتصاد والمحافظة على السيولة والمشاركة في المشروعات الاقتصادية المحلية والاستثمارات الصغيرة ، التي تسهم في تنشيط القطاعات الاقتصادية ، إلى جانب الحد من تحويلات العملة للخارج ، وحتى لا تتأثر القطاعات الأخري في السياحة والعقارات والقوى الشرائية والاستهلاكية والأنشطة التجارية والخدمية وما احوج الدول النامية والفقيرة في منطقتنا العربية إلى اتباع هذا النهج الأوروبي في التعامل مع تداعيات كورونا وتوابعها - خاصة بعد أن قامت بتسريح أعدادا كبيرة من القوى العاملة المدربة لديها من كل الجنسيات - وتقديم حزم تشجيعية من خارج الصندوق ، للاستفادة مما هو قائم والتخطيط لما هو قادم ، ومتابعة ودراسة كل المتغيرات التي تستجد في المجتمعات الأوربية ، لأن معرفة التحولات «الجيو ديموغرافية «ومدى ارتباطها بالمتغيرات «الجيو سكانية «في بلادنا وفي مناطق العالم ، يوفر الاستقرار لأسواق العمل لديناولكن من الأمور المبشرة التي تدعو للتفاؤل - وإن كانت متأخرة - اتخاذ بعض الدول العربية خطوات قريبة من الأوروبية مثل اعتماد تعديلات قانونية تجيز منح الجنسية وجواز السفر للمستثمرين والموهوبين والمتخصصين من العلماء والأطباء والمهندسين والفنانين والمثقفين وعائلاتهم لرفد سوق العمل بهذه التخصصات ، وكذلك منح إعفاء ضريبي للشركات الأجنبية لمدة 50عاما مع عدم التقيد بتشغيل الأيد العاملة الوطنية ، وبذلك ينطبق عليهم قول « أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي».