حمّام "المسخوطين" بالجزائر.. قصّة المسك والطين والأسطورة

مزاج الاثنين ١٨/أبريل/٢٠١٦ ١٩:٠٤ م
حمّام "المسخوطين" بالجزائر.. قصّة المسك والطين والأسطورة

وأنت تقترب من المكان، ستجد نفسك تحدّق بتركيز شديد في تلك الصخور الكلسية المتداخلة محاولا أن تتبيّن أشكال البشر الذين مُسخوا إلى حجارة، مُستندا في ذلك إلى قصة ظلت الأجيال المتعاقبة ترويها بكثير من الانبهار والتشويق والدهشة. إنها قصة "حمام المسخوطين" الذي يقع على بعد 25 كم من مدينة قالمة، شرق الجزائر، والذي يُعدُّ من أشهر الحمّامات المعدنية في العالم، لما يتميّز به من مياه ساخنة جداً تتدفق من باطن الأرض، ومن شدة حرارتها يتصاعد البخار بشكل كثيف، حتى يتخيّل الواحد نفسه أمام قدر كبير يغلي من شدة النار الموقدة تحته.

تعدّدت الروايات بشأن تسمية "المسخوطين"، فهي تعني الأشخاص الذين نزل عليهم سخط من الله، وبعض علماء الآثار يُرجعون التسمية إلى العهد العثماني، أي فترة بسط الدولة العثمانية نفوذها على الجزائر، حيث كان الناس يتداوون بمياه الحمّام الساخنة، بينما تذكر بعض المراجع التاريخية أنّ سكان المنطقة كانوا يستعملون في علاجهم المسك والطين، إضافة إلى مياه الحمام الساخنة، الأمر الذي دفع الاستعمار الفرنسي الذي جثم على صدر الجزائر في تلك الفترة، إلى جمع مفردتي "المسك" و"الطين" في كلمة واحدة، فكان الفرنسيون ينطقونها بقولهم "المسكوتين"، وهذا بالنظر لصعوبة نطق الكلمتين بشكل صحيح لدى هؤلاء، ومنه جاءت تسمية " المسخوطين" التي أصبحت تُطلق على الحمّام المعدني الذي أخذ أيضا من الصخور المتشكلة في هيئة شلال اسمًا آخر هو "الشلالة". إلاّ أنّ الرواية الرسمية التي يبادرك بها سكان المدينة، وأنت تستعين بهم لمعرفة سبب التسمية، هي أنّ الأمير "سيدي أرزاق" الذي ينتمي إلى إحدى القبائل القوية، قرّر أن يتزوج أخته، ورغم أنه واجه معارضة شديدة من حكماء القبيلة وشيوخها، على اعتبار أنّ هذا الأمر يُعدُّ تجاوزا صارخا على الأعراف والتقاليد، إلا أنّه قرّر أن يمضي في زواجه غير آبه بمعارضة المعارضين الذين غادروا القبيلة تعبيرا عن استيائهم واستنكارهم لما سيجري.

وفي وقت الإعداد لحفل الزفاف بحضور القاضي الذي تقول الرواية إنه قام بترسيم الزواج، وبعض سكان القبيلة، حلّ بهم غضب الله، حيث مُسخوا إلى حجارة بسبب المعصية الكبيرة التي اقترفوها، وهو الأمر الذي اكتشفه باقي سكان القبيلة عند رجوعهم إليها. ورغم أنّ السلطات المحلية لمدينة قالمة اقترحت اسم "دباغ" على الحمّام، في محاولة منها لاستبدال الاسم القديم الذي يحمل دلالة غير لائقة بالمكان، إلا أنّ سكان المنطقة ما زالوا مُصرّين على تسميته القديمة، وكأنّهم يُقرُّون بالرواية المتداولة الأقرب إلى الأسطورة. وبعيدا عن صحة قصة هذا الاسم من عدمها، يجد الزائرون لهذه المنطقة السياحية متعة كبيرة في التجوُّل بين جنباتها والاستمتاع بمناظرها الخلابة التي تتمتع بشهرة عالمية، حيث تتدفق مياه الحمام من مجرى غائر في باطن الأرض، وتتراوح درجة حرارته ما بين 90 و96 درجة مئوية، في حين تفوق قوة تدفقه 6500 لتر في الدقيقة الواحدة، ما جعله يحتلُّ المرتبة الثانية عالميا من حيث درجة حرارة مياهه، بعد براكين آيسلندا، وأهّلته هذه الخصائص أيضا ليكون مقصد الكثير من الجزائريين الذين يعانون من بعض الأمراض المزمنة كالروماتيزم وضغط الدم وأمراض الجلد والحساسية وغيرها، فيتحمّلون لبلوغ الحمّام مشاقَّ السفر وبُعد المسافة، لعلّهم يجدون دواء لعللهم المزمنة. ويؤكد علماء الجيولوجيا أنّ هذه الصخرة العملاقة هي عبارة عن ترسبات كلسية تراكمت عبر ملايين السنين، على خلاف ما تذهب إليه الأساطير الشعبية المتداولة بالمنطقة، والتي تذهب إلى أن الصخرة كانت عبارة عن أناس مسّهم غضب من الله بسبب وقوعهم في المعصية.

العمانية