أنت مسموم

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٨/أبريل/٢٠١٦ ٠٥:٤٥ ص
أنت مسموم

لميس ضيف

هناك فكرة لطالما حاولت إيصالها للناس وقد وجدت أخيرا القصة التي تعبر عنها وتختصرها.

يقال – والعبرة على الراوي – أن طبيبا يونانيا استنكف أن يُلقب سقراط بالطبيب الأول، لدرجة أنه تحدى سقراط تحديا مميتا يقضي بأن يخلط كل منهم سماً للآخر ويسقيه إياه وعلى كل طبيب – حينها – أن يعالج نفسه أو سيكون مصيره، بطبيعة الحال، الموت، قبل سقراط التحدي وطلب شهرا كمهلة لمزج سمّ رعاف والخروج بتركيبة تشفيه من أي سم أيضا.
في اليوم الموعــود شــرب ســـقراط السم أولا، أصابه الدوار وأصفرّ لونه لكنه شرب الترياق الذي مزجه وشفي، أما الطبيب فقد خرّ صريعا ما أن شـــرب السمّ الذي أعده سقراط..
فسألوا سقراط: ماذا سقيته؟ فأجاب: ماء وملح، فلم يصدقوه فشرب أمامهم من السم المزعوم ولم يمسسه ضرر «لم يقتله السّم بل قتله الإيحاء» قال لهم مبررا .. فقد كان الطبيب يتجسس على سقراط الذي كان يدق خلطة ليل نهار ويصفها بالفتاكة وهو ما دمر نفسية الطبيب الذي قتله تأثير العامل النفسي عليه.

*****

بشكل أو بآخر، ينطبق هذا على الكثيرين منا، فهو من يسمم نفسه بنفسه، ولا تصرعه المشكلات ولا التحديات التي يواجهها بل – هو – من يهزم نفسه. فيعيش تحت رحمة الخوف، في صومعة من الكآبة تذيب شبابه وصحته.
صدق أو لا تصدق .. كل من على هذه الأرض لديه سبب ليكون كئيبا .. وكثيرا ما يكون أولئك « المحسودين» على عوامل السعادة لديهم يملكون هموما ونواقص تخفى على المراقب من بعد.. فنحن نحمل رؤية منقوصة للحظ والسعادة إذ نختزلها في المال والمال وحده ذاك لأننا لا نفقه نقيرا.
روت لي طبيبة عائلة يوما كيف أنها تستقبل يوميا عشرات المريضات اللواتي لا يعانين من داء جسدي ولكنهن – رغم ذاك – يشتكين من آلام هنا وهناك، يقول رسولنا الكريم صل الله عليه وآله « لا تتمارضوا فتمرضوا» وهذه قوة الإيحاء التي نتحدث عنها والتي استوعبها الطب الحديث فصارت الأدوية « البلازيبو» وسيلة معتبرة لتجربة الأدوية وتستند فكرتها على تقسيم عينات حقيقة وأخرى مزيفة على مجموعتين وقياس تأثيرها عليهم وعادة ما تكون الأعراض واحدة، فمن «يعتقد» بأنه يتناول عقارا يؤدي للنعاس يصاب به.. ومن «يتوهم» بأنه يجرب عقارا يؤدي لاضطرابات في التنفس ينتهي به المطاف بأن يشتكي منها وإن كانت سكاكر !!

نافلة القول:

ارحموا أنفسكم ولا تسمموها .. كونوا إيجابيين في هذه الحياة القاسية ليبقى رأسكم فوق الماء .. لا تستسلموا لواقعكم بل تحدوه .. وستكسبون التحدي لا محالة ..