كابوس البرازيل: لا نهاية تلوح في الأفق

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٨/أبريل/٢٠١٦ ٠٥:٥٠ ص
كابوس البرازيل: لا نهاية تلوح في الأفق

روبرت صامويلسون

ويل للبرزايل. فمع اقتراب موعد الألعاب الأوليمبية الصيفية في أغسطس المقبل، تنغمس أكبر دولة في أمريكا اللاتينية – يبلغ عدد سكانها 206 مليوننسمة ويبلغ اقتصادها 40% من إجمالي اقتصاد المنطقة – تنغمس في ركود قاس وتواجه أزمة سياسية يمكن أن ينتج عنها تنحي رئيستها عن منصبها. كيف حدث كل ذلك؟ وماذا يعني؟
قبل عقد من الزمان، كانت البرازيل هي الطفل المدلل لدول "الأسواق الناشئة" التي كانت اقتصاداتها الناشئة من شأنها أن تجعلها دولا غنية في نهاية المطاف. هل تتذكرون دول البريكس؟ ذلك المصطلح الذي يرمز إلى "البرازيل وروسيا والهند والصين"، وهي الدول التي كانت قادة تلك المجموعة. من عام 2004 إلى عام 2008، بلغ متوسط النمو الاقتصادي للبرازيل 5% في السنة، حسب تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
يقول الخبير الاقتصادي رافائيل أمييل إن اقتصاد البرازيل أخذ ينكمش منذ العام 2014 وأنه يتوقع أن يبلغ الانخفاض التراكمي في الناتج المحلي الإجمالي 8.5%. وهذا يمثل تقريبا ضعف الانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي (4.2%) الذي عانت منه الولايات المتحدة خلال فترة الكساد الكبير. وقد ارتفع معدل البطالة الوطني في البرازيل من 6.7% في منتصف العام 2014 إلى 9.5% في نهاية العام 2015. ومن المحتمل أن يرتفع أكثر من ذلك.
وينبع بعض الركود من انهيار أسعار السلع الأساسية. فالبرازيل هي مستورد رئيسي للمواد الخام، التي من بينها خام الحديد وفول الصويا والزيت والقهوة. "ولكن جزءا أكبر من القصة يرجع إلى سوء إدارة الاقتصاد الكلي"، كما تقول مونيكا دي بولي، الاقتصادية البرازيلية في معهد بيترسون للأبحاث الاقتصادية.
ولدعم إعادة انتخاب الرئيسة ديلما روسيف في عام 2014 – هكذا يتواصل الزعم – تم الإبقاء على الائتمان رخيصا وتوسيع الإنفاق الحكومي وزيادة عجز الموازنة. والآن انعكست هذه السياسات لكبح جماح الآثار الجانبية الضارة. وقد زاد عجز الموازنة، الذي كان يتراوح بين 2% إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي، إلى 10% عام 2015. وبلغ التضخم نحو 11% العام الفائت، حسب وكالة موديز للتصنيف. وتم رفع أسعار الفائدة وتقلص الإنفاق.
والاتهام الموجه إلى روسيف – وهو السبب للإقالة – هو أنها أخفت الارتفاع في عجز الموازنة عن طريق العديد من الحيل. وهي تنكر هذا الارتفاع. وفي حالة التصويت بنعم في مجلس النواب البرازيلي سيؤدي ذلك إلى محاكمة في مجلس الشيوخ، إلا إذا استقالت. وما زاد من تعقيد الغضب الشعبي الفضيحة الكبيرة التي شملت شركة النفط الوطنية بتروبراس، حيث كانت بتروباس قد قدرت تكلفة الرشاوى والتلاعب بنتائج عطاءات البناء بمبلغ ثلاثة بلايين دولار. وقد تورط في ذلك العشرات من المسؤولين التنفيذيين والموظفين العموميين. وفي مارس الفائت، تظاهر أكثر من ثلاثة ملايين برازيلي احتجاجا على فضيحة بتروبراس وروسيف.
لا يعرف أحد إلى أين يمكن أن يقود هذا المزيج من خيبة الأمل الاقتصادية والإحباط السياسي. أحد الاحتمالات المتفائلة هو أن يتلاشى تسامح البرازيل المعتاد مع الكسب غير المشروع، كما يقول باولو سوتيرو الصحفي البرازيلي المخضرم الذي يرأس حاليا معهد البرازيل في واشنطن. ويستشهد سوتيرو باستطلاع للرأي عبر فيه تسعة من كل عشرة برازيليين عن رغبتهم في الاستمرار في مقاضاة شركة بتروبراس حتى لو أضر ذلك بالاقتصاد.
ولكن في الوقت الراهن، العجزي السياسي والاقتصادي يغذي كل منهما الآخر. فالاضطرابات السياسية تستنزف الثقة، وهو ما يضعف بدوره الاقتصاد ويعمق من الاستياء السياسي.
لا شك أن تغيير السياسة الاقتصادية سيكون أمرا صعبا. فكما هو الحال في الولايات المتحدة، تخفيض العجز في الميزانية لا يحظى بشعبية. والكثير من البرازيليين يتقاعدون عن سن الخامسة والخمسين؛ ويجب أن يتم رفع سن استحقاق الضمان الاجتماعي إلى الخامسة والستين. وكثير من الإنفاق الاجتماعي غير منضبط لأن الدستور ينص على أن يزيد الإنفاق الاجتماعي مع التضخم أو زيادة الضرائب. هذه القيود ينبغي أن يتم تخفيفها، كما تقول مونيكا دي بولي. وبالمثل، يجب كبح جماح دور البنوك الحكومية التي تغمر الاقتصاد بقروض مدعومة.
الدرس الذي نتعلمه من البرازيل هو أن وعد دول "الأسواق الناشئة" كان مجرد تمني. وقد كان الافتراض هو أن هذه الدول، وبخاصة دول البريكس، ستقوم بتضييق الفجوة حتما بينها وبين المجتمعات المتقدمة، من خلال تبني التقنيات المعروفة وتوسيع نظم التعليم وتحسين الإدارة المحلية. إن الشيء المفقود في هذه الرؤية التبسيطية هو تأثير الاختلافات الوطنية – من القيم والمؤسسات والسياسة والسياسات – على النمو الاقتصادي السلس.

مع اختلاف التفاصيل، تعكس تجربة البرازيل ما حدث في الصين والعديد من دول الأسواق الناشئة. فخلافا للآمال التي كانت معقودة بعد الأزمة المالية في عام 2008-2009، لم تكن تلك الدول تتسم بالديناميكية الكافية التي تجعلها بمثابة "قاطرة" لباقي دول العالم، فتحل محل الدول المتقدمة. البرازيل مهمة في حد ذاتها، ولكنها أيضا جزء من قصة أكبر عن "لماذا عانى الاقتصاد العالمي".

كاتب عمود في مجال الأعمال والاقتصاد في صحيفة واشنطن بوست.