مسقط - الشبيبة
بقلم: علي المطاعني
يكتسب الخطاب السامي الذي تفضل حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - فالقاه بمناسبة الإحتفال بالعيد الوطني الخمسون للنهضة المباركة ، يكتسب أهمية كبيرة على العديد من الأصعدة والمستويات ، لعل من أهمها أن الخطاب يؤرخ لمرحلتين فاصلتين في تاريخ نهضة عُمان الحديثة ، وبين عهدين لسلطانين من سلاطين الحكم في السلطنة لهما دورهما في التاريخ الحديث.
ويؤسس الخطاب لمرحلة جديدة من العمل الوطني في البلاد تقوم ملامحها على العديد من المرتكزات ، أهمها الإرث التاريخي العريق لهذا الوطن الذي نرشف منه ما يعيننا على البناء والتعمير، ونرتكز عليه في بناء العلاقات مع دول العالم كوطن له تاريخ موغل في القدم والأصالة ، ونستمد منه مكامن القوة والعزيمة في تجاوز تحديات الزمن وآهات السنين .
لقد حفل الخطاب السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله - بالعديد من القيم والمبادئ التي وجه جلالته بأهمية الحفاظ عليها منها المحافظة على المكتسبات المتحققة في الـ 50 عاما الفائتة في هذه الأرض الطيبة بقيادة السلطان الراحل قابوس بن سعيد طيب الله ثراه ، الذي أسس نهضة عُمان الحديثة ورسخ دعائم الدولة في كل المجالات والميادين ، وعزز من أركان وعمد دولة المؤسسات والقانون، وبناء قواتنا المسلحة على أفضل المستويات عدة وعتادا ولتغدو في كامل الجاهزية للذود عن حياض هذا الوطن ، كما رسخ مبادئ التسامح والإنسجام بين أفراد المجتمع العُماني لينهض على إحترام التباينات العرقية والأيديولوجية والمناطقية ، وفق تناغم تام تحت راية الوطن الخفاقة ، وشيد نهضة تنموية عمت كل المجالات لينعم بعطاءها الجميع وحققت تلك النهضة الحياة الكريمة للإنسان العُماني في كل شبر من أرضه الطيبة ، كما مدت جسور السلام والعلاقات مع دول العالم وشعوب المعمورة .
وتطرق الخطاب إلى ملامح المرحلة المقبلة من مسيرة نهضة عُمان المتجددة لإستكمال مرحلة البناء التشريعي والتنموي والتنظيمي والتقني الذي يمضي بهذا الوطن الى ما يحقق تطلعات أبناءه الأوفياء ، ويمكنهم من المشاركة الفاعلة في بناء وطنهم.
كما ركز الخطاب على عناوين المرحلة المقبلة التي سوف تحظى بإهتمام جلالته الشخصي ألا وهي رؤية عُمان 2040 التي نعول عليها للإنتقال لمرحلة جديدة في نهضة السلطنة تتواكب مع المستجدات والمتغيرات الدولية وتمكن بلادنا بشكل أكبر في المرحلة القادمة وما تحمله من طموحات وتحديات تتطلب المزيد من العمل والجهد والتفاني في تحقيق ما تصبوا إليه القيادة الحكيمة.
كما ركز جلالته على خطة التوازن المالي للدولة ، لتحقيق الإستقرار المالي وبما يمكننا من الإستمرار في تحقيق متطلبات التنمية المستدامة ، وللحفاظ على مكانة الدولة المالية وما يمثله ذلك من أهمية كبيرة تمس كل فرد في هذا الوطن العزيز ، والعمل على بروح المسؤولية لخفض الدين العام وتقليل العجز، مع توجيه جلالته وحرصه على إستكمال منظومة الحماية الإجتماعية الهادفة لتخفيف التأثيرات الناجمة عن الظروف الطارئة على بعض شرائح المجتمع إيمانا منه بأهمية تحقيق الحياة الكريمة للمواطنين.
وأكد جلالته على تبني منظومة اللامركزية في إدارة شؤون الدولة من خلال نظام الإدارة المحلية وتفعيله بشكل أكبر لرفد تعزيز المشاركة الشعبية في الولايات والمحافظات ، مع منح المحافظين صلاحيات واسعة لتسريع وتيرة العمل التنموي والإقتصادي بشكل أكبر ليتواكب مع متطلبات المرحلة القادمة والمتغيرات التي تتطلب تفعيل كل طاقات المجتمع ومؤسساته وتمكينها بالوسائل والمعينات التي تساعدها للنهوض بمقوماتها ومزاياها التنافسية لتتكامل منظومة البناء في الدولة بشكل أسرع.
وأشاد جلالتة في أكثر من موضع بتضافر جهود المواطنين في إستيعاب المتغيرات الإقتصادية والمالية وما نتج عنها من معالجات تهدف لبلورة توجهات جديدة في الموائمة وإستيعاب الصدمات الناتجة من إنخفاض أسعار النفط ، وكذلك إشادته بتجاوب المواطنين مع الإجراءات الإحترازية جراء إنتشار فيروس كورونا وما يمثله ذلك من إدراك وتفهم عالي المستوى بأهمية الصحة الوقائية.
وجاءت إشادة جلالته بدور قوات السلطان المسلحة الرائد في الحفاظ على المكتسبات المتحققة دليلا على أنها ستظل في موضع الرعاية والإهتمام في المرحلة القادمة وبما يمكنها من الحفاظ على المكتسبات الكبيرة التي تحققت منذ بواكير نهضتنا المباركة.
وأشار جلالته إلى أن الأزمات الاقتصادية والصحية التي نمر بها ستبقى إختبارا للأمم والشعوب وصقلا لأمكانياتها الذاتية في التأقلم مع هكذا ظروف وإستنباط وسائل بديلة لتتدفق عبرها طاقات أبناء الوطن لإيجاد الحلول الواقعية للعديد من الإشكاليات الطارئة والمستجدة نتيجة لهذه الظروف الإستثنائية فكان التوجه لمنظومة العمل عن بعد وتكريس الحلول الرقمية هو البديل الأمثل للتعامل مع تلك الظروف.
بالطبع الخطاب السامي لجلالة السلطان أكد على الكثير من المعاني والدلالات الهادفة إلى المضي في مسيرة النهضة المتجددة على خطى نهج المؤسس الراحل جلالة السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه ، وليتسنى عبور أشواك المرحلة الراهنة بكل تحدياتها إلى رحاب المستقبل بهمم أبناء الوطن الأوفياء وعبر عزائم لا تلين أمام عاديات الزمن وبحرص جلالته على حسن إدارة موارد الدولة عبر تأسيس نظام محكم للمسألة والشفافية والنزاهة.
نأمل أن تكلل كل الجهود في تعزيز مكانة الدولة على كافة الأصعدة والمجالات بالتوفيق والنجاح وأن نسهم جميعا مع القيادة في بناء نهضة جديدة عنوانها الوطن العزيز عُمان وقيادتها الحكيمة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق ، وشعارها المستقبل المشرق لهذا الوطن وأبناءه المخلصين ، وأدواته نكران الذات والإرادة الصلبة والعزيمة القوية التي لا تلين ، فالأمم والشعوب الصلبة لا تنحني أو تجزع أمام المحن والشدائد بل تواجهها ثباتا وإقتدارا وتضحية ، ونحن لها في مطلق الأحوال.