مسقط - خالد عرابي
احتفلت جمهورية مصر العربية مؤخرا بالذكرى السابعة والأربعين لذكرى انتصارات حرب 6 أكتوبر المجيدة، وهي الذكرى التي تتناسب مع فوز مصر في العاشر من رمضان، السادس من أكتوبر من عام 1973م على العدو الإسرائيلي، وتحطيم خط بارليف، وتبديد الوهم الصهيوني بأن الجيش الإسرائيلي لا يقهر، ولذا فهي حرب العزة و الكرامة، وهي الذكرى التي لا يعتز بها كل مصري فقط، بل كل عربي أيضا.. وعلى مدى النصف قرن الماضي من الزمان شهدت مصر موجات من المد والجزر في النمو والتنمية على مستوى العديد من الأصعدة والمجالات والتي سنتناول فذ هذه المقالة بعضا منها، لاسيما ما حدث في العقد الأخير.
شهدت مصر على مدار تاريخها العديد من التحديات والصراعات التي أسهمت بدرجة أو بأخرى في عرقلة مسيرة التنمية، وحرصت على التغلب عليها لمواكبة المتغيرات الإقليمية والدولية، مستثمرا في ذلك تفردها بالموقع الجغرافي الأكثر تميزا في العالم، والذي لعب الدور الحيوي في عملية التنمية، ولعل ما مرت به مصر منذ عام 2011 إلى الآن خير دليل على ذلك، فبعد أن تراكمت العديد من المشاكل الاقتصادية في مصر، ومع بزوغ رؤية جديدة لحسم تلك المشاكل بداية من عام 2013 وبرامج إصلاح اقتصادية تختلف جوهريا عما سبقها، حيث ركزت على معالجة أصول المشاكل والتهديدات إلى جانب العمل على إدراك المستقبل بكل أدواته.
ففي عهد الرئيس السيسي نجحت مصر بإرادة وتضحيات شعبها العظيم لأول مرة في تاريخها في تحويل الإنفاق من إنفاق استهلاكي بالدرجة الأولى إلى إنفاق إنتاجي لصالح بناء وتطوير البنية التحتية للدولة بالكامل ( الطرق والكباري، استصلاح الأراضي وزراعة مئات الآلاف من الأفدنة - توفير إسكان للفقراء ومتوسطي الدخل، إنشاء عاصمة إدارية جديدة، تطوير المصانع، تطوير العشوائيات ...... ) ومواصلة افتتاح مشاريع إنتاجية عملاقة بمختلف المحافظات، ومواصلة برامج التحول إلى الحكومة الإلكترونية وبما يشير إلى وجود مخطط علمي مدروس إقامة دولة عصرية بكافة المقاييس لمواجهة التحديات الداخلية و الخارجية .
برنامج الإصلاح الاقتصادي
وحرصا على النهوض بالاقتصاد الوطني، والارتقاء بالظروف المعيشية للمواطنين، قامت مصر بتنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي بدءا من عام 2017م، حيث استهدف تحقيق العدالة الاجتماعية وتوجيه الدعم لمستحقيه من الفئات الأكثر احتياجا، وقد أشارت تقارير صندوق النقد الدولي إلى تحسن الأوضاع الاقتصادية بمصر بشكل ملحوظ منذ بدء برنامج الإصلاح الذي ساعد في تحرير سعر الصرف، وتسارع معدلات النمو، وتقليص العجز الخارجي و المالي، وارتفاع الاحتياطي النقدي، في مقابل انخفاض معدلات البطالة إلى 8.3% والتضخم، والذي يتوقع وصوله إلى أقل مستوياته نهاية العام المالي 2020/2021 م وذلك مقارنة بمعدلات عام 2011، والاسترشاد بالمؤسسات الدولية المعنية بالشأن.
ورغم المؤشرات الإيجابية التي عكسها تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، إلا أنه على المدى القصير ظهرت بعض الأعباء المعيشية المترتبة على قرارات الدولة لرفع الدعم، ولكنها لم تؤثر على استقرار الوضع في الداخل في ضوء ثقة الشعب المصري في سياسات الحكومة الذي يعي أنها عنصرا أساسيا في عملية الإصلاح الاقتصادي والتي أوصى بها البنك الدولي، ويتم تنفيذها بالتعاون مع صندوق النقد، فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن ارتفاع أسعار وسائل المواصلات في مصر، إلا أنها ما زالت تعد ضمن أرخص دول العالم (0.5 دولار لتذكرة المترو على سبيل المثال)، رغم تكاليف التشغيل المرتفعة.
ومما لا شك فيه ، فقد أثر تفشي جائجة "كورونا" المستجد على اقتصاديات العالم أجمع، إلا أنه ورغم الضغوط المترتبة على كافة المشروعات القومية على موارد الدولة، إلا أن المؤسسات الاقتصادية الدولية قد أجمعات على نجاح مصر - ضمن عدد محدود من دول العالم- في تحقيق معدل نمو إيجابي خلال الأزمة، كما أن التحدي الذي واجه الحكومة هو كيفية الموازنة بين استمرار عملية التنمية، وامتصاص التحديات التي ظهرت على خلفية تلك الأزمة، حيث خصصت الحكومة المصرية مبالغ كبيرة من الموازنة العامة لتطوير قطاعات الصحة و التعليم، بجانب الإعانات المالية لمساعدة العمالة اليومية والأسر الأشد تأثرا بأزمة فيروس "كورونا"، كما أشاد تقرير لمؤسسة "موديز" للتصنيف الائتماني صادر في سبتمبر 2020 بمؤشرات الجدارة الائتمانية لمصر، مانحا الاقتصاد المصري تقييم (B2)، مع نظرة مستقبلية مستقرة، مشيرا إلى أن رفع درجة التصنيف ترتبط بقدرة الدولة على تحمل الديون، وتقبل الاحتياجات التنموية الإجمالية، والحفاظ على مستويات مرتفعة من احتياطي النقد الأجنبي، وأكد بنك "جولدن مان ساكس" قدرة الاقتصاد المصري على تحمل التداعيات الاقتصادية لفيروس "كورونا"مدللا على ذلك بعودة 50% من الاستثمارت الأجنبية غير المباشرة (حوالي 10 مليارات دولار) التي خرجت مع بداية أزمة فيروس كورونا، مبديا توقعات إيجابية حتى نهاية العام الجاري بشأن معدلات التضخم وقوة الجنيه، فضلا عن تحقيق بعض التدفقات السياحية رغم أزمة كورونا، حيث أعلنت شركة "وايز إير" والتي تعد ثالت أكبر شركة طيران منخفضة التكاليف في أوروبا عن إعادة تسيير 3 رحلا أسبوعية بين ميلانو والأسكندرية، إلى جانب استئناف شركة الخطوط الجوية الملكية الهولندية رحلاتها إلى القاهرة بعد توقف دام 3 سنوات، كذا عودة الرحلات الجوية من روسيا وكازاخستان إلى مصر، مع تطبيق الحكومة الإجراءات الاحترازية المتفق عليها لاستقبال السائحين.
تراجع معدل التضخم
ركزت الحكومة المصرية خلال السنوات السابقة على معالجة أوجه القصور في مؤشرات الاقتصاد المصري، كذا المشاكل الاجتماعية الناتجة عنه، حيث نجحت في تحقيق تراجع بمعدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية عن شهر أغسطس 2020 ليصبح 3.4% مقابل 4.6% في يوليو 2020 ونحو 6.7% لنفس الشهر من العام الماضي، وذلك على خلفية استمرار انخفاض أسعار مجموعة الطعام والشراب والحبوب ومنتجات غذائية أخرى.
كما تحاول الحكومة لأول مرة في تاريخ مصر توفير تسجيل رقمي دقيق للعقارات، والأراضي الزراعية، بما يساعد في حل مشكلة تآكل الرقعة الزراعية، وتخفيف أزمة المرافق التي تترتب على استغلال أحداث ثورة 2011 في التوسع العشوائي في البناء على الأراضي الزراعية.
وفي سياق آخر فقد أعلنت الدولة المصرية استهدافها في القريب العاجل زيادة الاستثمارات الحكومية في العام المالي 2020/2021م بنحو 55% عن العام المالي السابق، ليصبح إجماليها حوالي 280 مليار جنيه (225 مليار جنيه ممولة من الموازنة العامة للدولة)، وتوجيه نحو 10% منها إلى مشروعات مياه الشرب و الصرف الصحي.
ولعل أبرز النجاحات هو بزوغ منتدى غاز شرق المتوسط ككيان إقليمي للغاز الطبيعي ضم في عضويته دول الجوار والانطلاق به ليصبح كيانا دوليا يعزز من طموحات الشعوب والدول.
ولذلك فقد وضحت أهمية العمل على الاستثمار في مشروعات البنية التحتية الحكومية العملاقة ، خاصة المرتبط منها بقطاع التشييد والبناء، والتي تعد قاطرة النمو للاقتصاد المصري خلال فترة "أزمة كورونا" ، حيث ساهمت بشكل رئيسي في تحقيق معدل نمو موجب بالعام المالي 2019/2020 بلغ 3.5%، كما ساعدت في الحد من تسارع البطالة عام 2020 (9.6% مقارنة بنحو 7.7% في الربع الأول من العام نفسه ، و بزيادة 2.1% عن الفترة المناظرة من العام الماضي، فضلا عن أن الاتفاق على تلك المشروعات ساهم في توفير سيولة نقدية داخل الأسواق لدفع حرمة الأنشطة الاقتصادية المختلفة.
أما على الصعيد الاجتماعي فيشار أيضا لتركيز الرئيس السيسي أجندة عمله على الاستثمار في الإنسان المصري منذ إعادة انتخابه عام 2018م، وهو ما تمت ترجمته على أرض الواقع باستثمار مقدرات الدولة خاصة لصالح قطاعي الصحة والتعليم، حيث ارتكز البرنامج الإنتخابي لرئيس الجمهورية في فترته الحالية على هذين القطاعين، إضافة إلى استثمار إمكانات الهيئة الهندسية للقوات المسلحة لتنفيذ المشروعات القومية بالنظر لتمتعها بخبرات كبيرة لاسيما الالتزام بالانتهاء من تلك المشروعات في التوقيتات المحددة، وبأقل تكاليف ممكنة، وذلك بالتعاون مع القطاع الخاص وبشكل يضيف فرص عمل وخبرات للشباب المصري.
ولا يمكن إغفال الهجوم من بعض الدول والتيارات المناهضة للدولة المصرية حول دور المؤسسة العسكرية في الحياة المدنية، وهو أمر يراد به باطل، نظرا لكون المؤسسة العسكرية في الأساس مؤسسة وطنية تتصف بالانضباط والقدرة على الإنجاز دون معوقات بيروقراطية، وفي هذا الصدد لابد من الإشارة إلى نجاح العديد من الدول في استثمار قدرات مؤسساتها العسكرية للنهوض الاقتصادي ولعل النموذج الصيني هو خير دليل على ذلك، إلى جانب عمل المؤسسات كشركات خاصة تحكمها القوانين والقواعد المنظمة لسوق العمل.
قوة الدولة المصرية الشاملة
وقولا أخيرا، فقد أثبت التاريخ المصري القديم والحديث أنه دائما ما يتم استهداف قوة الدولة المصرية الشاملة (اقتصاديا، عسكريا، واجتماعيا) لمحاولة انهاكها، وتشتيت الجهود الرامية لإعادة النفوذ المصري على الساحتين الإقليمية والدولية، حيث يتم خلال المرحلة الحالية (القرن الـ 21 ) الترصد لمصر من خلال حملات انتقامية ولكنها غير عسكرية، فقد إعتادت مصر في الحقبة العالية منذ عام 2011 على إنتهاج الدول المناوئة حملات إعلامية مسعورة ضد تقدمها وازدهارها والتفاف الشعب حول القيادة المصرية، سواء في وسائل الإعلام الأجنبية، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت إحدى أدوات التأثير على الرأي العام ، ذات الميول والتوجهات السياسية الموجهة لصالح طرف على حساب الآخر لتمرير صورة ذهنية سلبية عن مصر لدى المواطن المصري والمجتمع الدولي، ومن ثم تكبيل الحكومة المصرية وإرهاقها في محاولات لتصحيح أية إدعاءات من شأنها التأثير غلى حقيقة الأوضاع في الداخل المصري .
ورغم كافة التحديات والصعوبات، ومحاولات الهدم والتخريب والتحريض التي تقوم بها عناصر، وحكومات وتنظيمات وقوى إرهابية لمحاولة عرقلة مضي الدولة المصرية قدما في مسار البناء و التعمير، والارتقاء بحياة المواطنين، إلا أن عناية الله التي حفظت أرض مصر عبر الزمان عهدا من الخالق التي تنص عليها إسما في كتبه السماوية، وحكمة القيادة السياسية، ووعي الشعب المصري تمثل جميعا حائط صد منيع أمام قوى الشر والظلام، وستحيا مصر، وشعبها دائما دولة شامخة.. مستقرة.. رغم كيد الكائدين.