مسقط - الشبيبة
بقلم : علي المطاعني
تكتسب مباركة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله - خطة التوازن المالي متوسطة المدى (2020 - 2024) العديد من الدلالات على كافة الأصعدة والمستويات، والهادفة إلى استدامة الموارد المالية للدولة والحفاظ على مكانتها بين دول العالم من خلال العديد من الخطوات كخفض الدين العام والعجز في الموازنات العامة للدولة ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي بتوجيهه للأولويات الوطنية وزيادة الدخل من القطاعات غير النفطية.
الأمر الذي يتطلب التعاطي مع هذه التطوُّرات بالإيجابية التي تسهم في تعزيز موارد الدولة والتكيّف مع المتغيّرات الاقتصادية والمالية بوعي يسهم في الخروج من الأزمة، وترسيخ ثقافة ترشيد الاستهلاك بما يتواءم مع المستجدات الراهنة في العالم.
فبلا شك إن استدامة الموارد المالية للدولة هدف وطني يتطلب من الجميع الالتفاف إلى تحقيقه وتضافر الجهود للنهوض به كلٌ من موقعه والحرص عليه باعتباره جزءا لا يتجزأ من كيان هذا الوطن، وخيارا لا مناص منه كغيره من الأولويات الوطنية التي لا يجادل فيها أحد، ودفاعا عن حياض الوطن في خضم المتغيّرات المالية والاقتصادية العالمية التي قد تفرض على بلادنا الكثير من التزامات التي تمس سيادتنا ومواقفنا وهيبتها بين الأمم والشعوب، وتمنح الآخرين التحكم بقراراتنا وإلى غير ذلك من التبعات على اختلافها، فهذه الظروف كالانكسارات في الحروب والمعارك التي تخوضها الدول وإن اختلفت التشبيهات تبقى الأحوال متشابهة في سبل التعاطي معها.
فالأوضاع المتقلبة في أسواق النفط العالمية على مدى السنوات الماضية وتأثيرات فيروس كورونا كذلك التي تلقي بظلالها على الدول تضاعف من الأعباء والالتزامات أكثر مما كان متوقعا على كل الصعد والمستويات، وهو ما يتطلب تقديره والتعاطي معه بمسؤولية كبيرة في المرحلة القادمة.
فخطة التوازن المالي للدولة بأهدافها ودلالاتها لم تخرج عن هذا السياق ولا ترغب في أكثر من سلامة المكانة المالية للدولة، وهو ما يجب تفهمه من قِبل كل أطياف المجتمع وخاصة القادرين، والتعاطي مع الأمر بمسؤولية كبيرة تسهم في الخروج من هذه الأزمة بنجاح وبدون منغصات تعكر صفو السلم الاجتماعي.
لذا فإن خطة التوازن المالي بما ستتضمنه من آليات وضوابط لترشيد الإنفاق وإضافة بعض الضرائب لا يمكن أن تكون نهاية المطاف أو تحوّلنا إلى معوزين وإلى غير ذلك مما يثيره البعض خاصة، كما أن هناك توجها لوضع نظام وطني متكامل للحماية الاجتماعية بهدف ضمان حماية بعض فئات المجتمع من تأثيرات خطة التوازن المالي وتبعاتها المالية على هذه الشرائح المستحقة منا كل الدعم والمساندة في مجتمع متكافل ومتعاضد في كل الظروف، فما بالك بالأزمات وهو ما يجب الالتفاف حوله كل حسب مقدرته.
فالأزمات المالية للدول لا يمكن أن تُحل إلا بتضافر الجهود ووعي المواطنين لمقتضيات الظروف المحلية والإقليمية والدولية وسبل التغلب عليها، وهو ما نتطلع إليه في الفترة القادمة لما قد نشهده من تطوُّرات تعيد التوازن المالي لهذا البلد العزيز.
بالطبع هناك خطط تحفيزية موازية لخطة التوازن المالي تهدف إلى حفز الاقتصاد وتعزيز القطاع الخاص وإضفاء الكثير من التسهيلات والإجراءات، ولعل اعتماد 371 مليون ريال لتنفيذ مشروعات تنموية في المحافظات من شأنه أن ينشط الدورة الاقتصادية من خلال ضخ الأموال في شرايين الاقتصاد الوطني.
نأمل أن تكون هذه الأزمة درسا للجميع مواطنين وجهات حكومية وشركات بحيث نخرج منها مرفوعي الرأس آخذين كل الاحتياطيات والسبل لتنويع مصادر الدخل والعمل الدؤوب من الجميع كل في مجال اختصاصه.
بل إن مثل الأزمات ليست غريبة على هذا الوطن، وكل مرة نخرج منها بالأفضل لما فيه خير أبنائه، كما أن العمانيين جديرون في تحمّل التبعات في كل الأزمنة والعصور الغابرة، فكما يُقال في المثل الدارج «الشلول بين الجماعة خفيف» وإن شاء الله «أزمة وتعدي».