مسقط - الشبيبة
بقلم: علي بن راشد المطاعني
كنت لا أرغب أن تصل إدارة وزارة العمل الجديدة لهذا المنزلق الخطير على العديد من الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في بلادنا، عبر إصدار تعميمها القاضي بعدم ربط الأجور بالشهادات والمؤهلات الدراسية واعتماد الحد الأدنى في الأجور عند سقف 325 ريالا الذي يُمنح لعديمي المهارات، فهذا الحد سيغدو وعلى ما يبدو (الحد الأعلى للأجور في السلطنة) إذا لم تتدارك الوزارة الجديدة نفسها وتسحب هذا التعميم غير المتوافق مع الكثير من المعطيات في سوق العمل غير المنظّم وتسيطر عليه التجارة المستترة من رأسه إلى أخمص قدميه.
ومن تجارب سابقة ووفق معطيات العرض والطلب، فهذا التعميم قد يُمسي بمثابة الكارثة على سوق العمل وفي واحدة من أكبر الأخطاء التي قد تُرتكب إذا طُبِّق.
ولكن نسأل إدارة الوزارة الموقرة: ما هي آلية اتخاذ مثل هذه التعاميم التي تمس حياة أفراد الشعب وتحدد مصيره ومستقبله بدون أدنى مشاركة من أطراف الإنتاج (الحكومة واتحاد عمال سلطنة عُمان وغرفة تجارة وصناعة عمان)، وبدون استنطاق آراء ممثلي الشعب، وبدون استطلاعات للرأي ودراسات حول خطورته وانعكاساته على سوق العمل وعلى مستقبل الأجيال القادمة، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في هذه التعاميم اللا منطقية والمفتقرة للتوافق المجتمعي الذي يتطلب أن يكون الأساس في سنّ مثل هذه التشريعات التي تطبَّق على شعب بأكمله.
فمن الأدبيات والأخلاقيات والثوابت أنَّ مثل هذه التوجيهات والتعاميم التي تطبَّق في البلاد والتي تمس حياة المواطن في الصميم يتعيَّن أن تحظى برأي الأطراف الأخرى كنوع من إبداء الاحترام، فهي ليست معاهدات دفاع أو اتفاقيات سرّيّة مع دولة أخرى لا ينبغي أن تُطرح علنا، فالأحادية في اتخاذ مثل هذه الأمور منحى لا مكان له في السلطنة ولا يتعيّن لجهة أن تخوِّل لنفسها الانفراد في تحديد مصائر عباد الله.
فالمشاركة في اتخاذ التعاميم المتعلقة بحياة الناس وشؤونهم كانت وستظل نهجا يجب المحافظة عليه إذا رغبنا في ترسيخ مبادئ الانسجام المجتمعي في إدارة منظومة العمل في مفاصل الدولة المختلفة.
فاليوم وكما نعلم فإنّ سنّ القوانين يمرّ بمراحل وقنوات تشريعية، وتحظى بنقاشات ومداولات يتم من خلالها ترجيح مواد وبنود وإلغاء أخرى وتعديل صياغات.. إلخ، في مجلس عُمان بغرفتيه الشورى والدولة، وعبر حوار موضوعي رصين يثلج الصدر ويبشر بمستقبل واعد لمبدأ (وأمرهم شورى بينهم) وصولا لمرحلة التصويت بإجازة هذا ورفض ذاك، ومن ثم تُرفع لجلالة السلطان المعظم للفصل فيها بما يحقق المصلحة العامة.
فمثل هذه الإصدارات الحساسة لا يجب أن توصف بأنها قرارات وزارية أو تعاميم إدارية مهما صغر تمثيل من أصدرها، لجهة أنَّ لها تأثيرات واسعة على المجتمع، وفي هكذا حال نسأل عن غياب المشاركة الشعبية والحوار المجتمعي الهادف لصياغة مستقبلنا والذي لا ينبغي أن نتركه رهنا لجهة واحدة تقرّر مصير أفراد الشعب وتحدد معالم مستقبلهم.
فكان الأحرى لهذه الإدارة أن تتريّث قليلا وتمنح نفسها فرصة الاطّلاع وبدقة على ماهية سوق العمل ومنطلقاته ومتطلباته التي يجب أن توضع في الاعتبار قبل الإقدام على خطوة مصيرية كهذه.
كان من المأمول والمنتظر إطلاع اتحاد العمال - الممثل الشرعي للعمّال - على تفاصيل التعميم وأسبابه ومسبباته والاستماع لآرائهم وملاحظاتهم، وكذلك مجلس الشورى باعتباره السلطة التشريعية التي تمثل شعب عُمان وصولا للصيغة المُثلى لكيفية التعاطي مع هكذا قرار، فالاندفاع الذي نلاحظه في إدارة العمل وما تمخضت عنه من تعاميم ليس في صالح نظام العمل والبلاد والعباد.
بالطبع هناك حالات استثنائية للبعض يرغب أن يعمل بمثل هذا الأجر أي 325 ريالا أو أقل منه، فذاك شأنه، لكن أن يكون عُرفا وقرارا أو تعميما فهنا الكارثة بعينها التي يجب أن نوقفها قبل أن تتداعى على كل الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والقانونية وغيرها التي ستحوّل الأجيال إلى طبقة كادحة تأكل وتشرب وتنام.
نأمل أن تسارع وزارة العمل لإلغاء التعميم، ومن ثم الاعتذار للشعب العُماني عمّا اقترفته من خطأ جسيم، مع التأكيد على حقيقة أننا دولة مؤسسات يجب معها احترام التسلسل الهرمي في اتخاذ القرارات المصيرية التي تمس حياة وأرزاق أفراد هذا الشعب الكريم.