مسقط - الشبيبة
بقلم : محمد الرواس
21 سبتمبر هو اليوم الدولي للسلام ونستذكر من خلاله رجل السلام المغفور له السلطان قابوس -طيب الله ثراه-الذي كان يدعوا إلى سياسة التقارب والحوار والتآلف ونشر السلام على أسس ثابتة فأحبه الجميع واجتمع على محبته الفرقاء لانه آمن بالسلام وسعى إلى تحقيقه فخلده التاريخ.
منذ تولي السلطان قابوس - طيب الله ثراه- مقاليد الحكم كان نهجه نشر السلام، فكان الداخل العماني أول محطات السلام بمسيرته رحمه الله ، فبرغم أن الحرب فرضت عليه من أول يوم استلم فيها مقاليد الحكم الا أنه تعامل معها بمنطق السلام، فدعا الي الحوار واعلن العفو والتسامح فنجح في ذلك من خلال خطاباته التي نقلت رسائل السلام لجميع العمانيين بالداخل أو بالخارج ، فكانت النتيجة العودة الجماعية للوطن الأم عمُان ، ولم يبق سوى عصابات وفلول الارهاب المدعومة من خارج السلطنة، ولأنه رجل سلام قبل أن يكون رجلا عسكريا محنك يجيد فنون القتال ، فقد حرص على عدم إراقة الدماء، ولقد قرأت عن هذه الحادثة، لكن الشيخ أحمد بن سويدان البلوشي أكدها لي شخصياً كونه حينها ملتحقا بالجيش العماني، ففي يوم من أيام الحرب بجبال ظفار جاء السلطان قابوس قادة الجيش العماني الذي كان مسانداً بقوات صديقة يخبرونه أنهم استطاعوا محاصرة مجاميع كبيرة من حاملي السلاح ضد الحكومة وأتباعهم بأحد الأودية بالمنطقة الغربية، وأنهم فقط يحتاجون منه الإشارة لقصفهم بالمدفعية الميدانية وسلاح الطيران، ويمكنه بعدها إعلان خطاب النصر ، لكنه رحمه الله رفض بشدة وقال «إن بينهم الأطفال والشيوخ والعزّل، وأمر أن تفتح لهم ممرات آمنة للخروج من الوادي المحاصر ، كانت الدماء وسفكها خط أحمر لديه رحمه الله، وهذه من أهم صفات من يسعى الى السلام ويدّعو له ، ولم يمض وقت طويل بعد ذلك حتى نصره الله وأعلن خطاب النصر عام 1975م .
بعد أن أرسى رحمه الله ثوابت السلام الداخلي بعمُان ووحدها وألفْ بين القلوب وقرُب من الشعب عبر جولاته المباركة ووضع أسس العدالة والنماء، اتًّجه الى السلام مع جيرانه ووقع اتفاقيات ترسيم الحدود حتى البحرية منها مع باكستان وايران ، وهذا ما يسمى مصطلحاً سلام المستقبل حيث لم يترك هناك سبب لنزاعات مستقبلية بالحدود مع جيرانه ووثق ذلك دولياً.
كان السلام الإقليمي دائما حاضراً في أجندة السلطان قابوس - طيب الله ثراه- عبر محاولاته المستمرة للصلح ودعوته للحوار بدءا بحرب الخليج الأولى والثانية، ولقد قام بدور وساطات متعددة منها تبادل أسرى الحرب بين العراق والجمهورية الاسلامية الايرانية ، ووقف مع شرعية الكويت بكل حزم بعدها ، ودعا الى فض النزاع بالتي هي أحسن .
كانت بعد ذلك مواقفه الدولية من توقيع اتفاقية السلام المصرية مع اسرائيل تتسم بالحكمة وبُعْد النظر ، ولقد قام بدور كبير لنزع فتيل الحرب عبر وساطة دولية بين ايران والولايات المتحدة ومجموعة الخمس ، ولم يكن بعيداً عن متابعة الوضع في اليمن فوقف مع الشعب اليمني ومد له يد العوُن والمساعدات المتواصلة سواء من أغذية ، وأدوات طبية وفتح ممرات السلام عبر علاج المرضى، ونأى بنفسه عن حرب لا يقرها ولم يدُع اليها يوماً ما ، ولم يقُف مع من اشعلها ، وظلت وساطاته الدولية لإخراج العالقين من أتون الحرب باليمن من الدبلوماسيين والمدنيين، أو من ممثلي الشرعية باليمن، كان نهجه يدعو إلى تقليل التوتر ونزع فتيل الدمار باليمن الشقيق ، ولقد كان للشعب الفلسطيني الأولوية في أجندته السلمية ، فكان داعماً لاتفاقيات السلام حين يقرها الفلسطينيون مثل اتفاقية اوسلو ،وكان داعماً لهم بإمدادهم بمشاريع تنموية بالداخل الفلسطيني .
نال السلطان قابوس رحمه الله العديد من الجوائز الدولية للسلام ،والتي لم يسع لها يوماً ما بل جاءتُه تتشرف به بأن قبِلها رحمه الله ، فقد أثنى عليه القاصي والداني لنهجه السلمي الذي أبعد عن شعبه وعن منطقته شرارات حروب تظهر بين الحين والآخر بالمنطقة.
ختاماً هناك العديد من رؤساء العالم الذين أشادوا بسياسة السلطان قابوس رحمه الله منهم الرئيس الأميركي «رونالد ريجان» عام 1983 فقال موجها الكلام لجلالته « يا صاحب الجلالة نحن فخورون بالوقوف الى جانبكم في سعيكم من أجل السلام والاستقرار « ، ولقد ضمن الرئيس بيل كلنتون بخطابه المباشر لجلالة السلطان قوله « أنا والرؤساء الذين سبقوني نقدم لكم شكرا خاصا لنصائحكم ومساندتكم في إيجاد مناخ إقليمي بعمُان من اجل السلام « ، بينما أشاد الرئيس الاميركي جيمي كارتر اثناء تسليم جائزة السلام الدولية بالولايات الاميركية لجلالته رحمه الله فقال « على مر السنين أعْجبت شخصيا بجهود جلالة السلطان الشجاعة لإحلال السلام في منطقة العالم «.
هكذا هم زعامات العالم الذين يفُتخر بهم، وهكذا هم قامات الخير الذين جعلهم الله دعاة للسلام ،رحمك الله يا رجل السلام الخالد وجعل مثواك الجنة.