القمر الذي لا تعرفه الأرض

مزاج الأربعاء ١٣/يناير/٢٠١٦ ٠٠:١٠ ص

دنكان فورجان - ترجمة: أحمد بدوي

نعرف جميعا القمر ونثق أنه لا يوجد للأرض إلا قمر واحد إلى حد أننا لا نطلق عليه اسما محددا سوى أنه «القمر»، وهو ألمع الأجرام في سماء الليل، وحتى اليوم فهو الجسم السماوي الوحيد -غير الأرض- الذي وطأته قدم الإنسان. والشيء الذي قد لا تعرفه أن هناك قمرا آخر للأرض تم اكتشافه عام 1997 ويطلق عليه اسم كرويثين (Cruithne) 3753، ويأخذ مسار شبه مداري حول الأرض، وهو ما يعني ببساطة أن كرويثن لا يدور حول الأرض في مسار دورة كاملة بنفس الطريقة التي يتبعها القمر، أو الأقمار الاصطناعية التي نطلقها لتأخذ مدارها حول الكرة الأرضية، ولكن كرويثن يأخذ مسارا يطلق عليه «حدوة الحصان».

ولكي نفهم أكثر ما معنى مدار حدوة الحصان، دعونا نتخيل أننا ننظر من أعلى إلى النظام الشمسي وهو يدور في نفس معدل دوران الأرض حول الشمس، من وجهة نظرنا ستبدو الأرض ثابتة، وهناك جسم يدور حول الأرض في مسار على شكل حدوة الحصان يتحرك نحو الأرض ثم يستدير ويبتعد عنها، وما إن يأخذ مساره بعيدا حتى يقترب من الأرض من الجهة الثانية ثم يستدير ويبتعد مرة أخرى.

والواقع أن مدارات حدوة الحصان أمر شائع للغاية للأقمار في المجموعة الشمسية، فكوكب زحل على سبيل المثال له قمران يأخذان مدار حدوة الحصان. وربما يكون الشيء الفريد لـ كرويثن هو حالة التذبذب والترنح على طول مساره، وإذا نظرنا الى هذا المسار في النظام الشمسي نجده أشبه بحلقة فوضوية غير منتظمة حول مدار الأرض، مع تأرجحه في مسار متسع عند اقترابه من الزهرة والمريخ. ويدور كرويثن حول الشمس مرة واحدة في السنة، لكنه يستغرق ما يقرب من 800 سنة لإكمال هذا الشكل الدائري الفوضوي حول مدار الأرض.

ويبلغ قطر كرويثن خمسة كيلومترات، وإذا قدر واصطدم بالأرض فقد يحدث تغيرا جذريا على مستوى حوادث الانقراض، على غرار ما يعتقد أنه قد حدث في نهاية العصر الطباشيري. ولحسن الحظ لا توجد احتمالات لاصطدامه بالأرض في أي وقت قريب، ومن المتوقع فلكيا أن أقرب نقطة اقتراب له من الأرض ستكون بعد نحو 2750 سنة.

ومن الجدير بالملاحظة أن الأرض تستضيف العديد من الكتل الصخرية الضالة في الفضاء والتي تبحث عن مصدر جاذبية تدور حوله. ولكن ماذا يمكن أن نتعلمه عن النظام الشمسي من كرويثن؟ الكثير للغاية. فمثله مثل العديد من الكويكبات والمذنبات الأخرى، يحتوي كرويثن على أدلة حول كيفية تكون الكواكب ، كما أن مساره الغريب يعد ساحة اختبار مثالية لفهمنا كيفية تطور النظام الشمسي تحت الجاذبية.

وحتى نهاية القرن العشرين لم نكن نعلم أن أجساما سماوية يمكن أن تأخذ مثل تلك المدارات في شكل حدوة الحصان وتظل فيها لوقت طويل، وهذا في الواقع يبين لنا أن مثل تلك التفاعلات قد حدثت حينما كان النظام الشمسي يتشكل. ويوم ما قد يكون كرويثن مكانا لممارسة هبوط الإنسان على الكويكبات، وربما للبحث عن المعادن الأرضية النادرة التي تقف التكنولوجيات الجديدة في أمس الحاجة إليها. والأهم من ذلك كله فكرويثن يعلمنا أن النظام الشمسي ليس أبدي، ونحن كذلك.

عن موقع discovermagazine.com