د. محمد بن عوض المشيخي- أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري
تكمن أهمية وسائل الإعلام في دورها الريادي وهو مراقبة السلطات الثلاثة في أي مجتمع ديمقراطي نزيه، خاصة تحليل وتقييم أداء الحكومة وكشف أوجه القصور المختلفة في مجالات السياسات الداخلية والخارجية. فالصحافة الحرة هي المصدر الأساسي للمعلومات والأخبار التي تعتمد عليها الجماهير في المجتمعات المعاصرة لكي تتخذ القرارات الصائبة، خاصة في أوقات الانتخابات والاستفتاءات والحراك الشعبي السلمي. فقد ارتقت دول كثيرة في هذا العالم، عند ما وصلت إلى قناعة بأن الرسالة الإعلامية الصادقة، تعمل على تنوير المجتمع، وذلك من خلال تمكين الصحفيين من العمل كهمزة وصل بين الحاكم والمحكوم لشرح ردود أفعال المواطنين تجاه الخطط الاستراتيجية والتنموية التي تستهدفهم، وكذلك مد جسور الحوار بين الطرفين بهدف الوصول إلى قواسم مشتركة تتيح لعامة الشعب المشاركة في صنع القرارات المتعلقة بمستقبل الأمة.
إن التنظير العلمي لبحوث الإعلام قد حسم نجاح المؤسسة الإعلامية وتحقيق أهدافها، في توفر العديد من المقومات والأبعاد والتي يمكن حصرها في ما يعرف بالثالوث السحري المتمثل في المال والإبداع والحرية؛ فالرواتب العالية المجزية تجذب المواهب الإعلامية الجاهزة من أي مكان في العالم للعمل في أي وسيلة إعلامية تدفع أكثر من غيرها، ولكن المال والإبداع لوحدهما لا يصنعان التفوق والنجاح، إلا بإضافة العنصر الثالث المعروف بالحرية التي تكتمل فيها هذه الخلطة السحرية. فالحرية الإعلامية تحتاج إلى إرادة سياسية وثقة مطلقة من القادة والساسة بحرية التعبير. ومن المؤسف جدا أن نجد في هذا العالم عددا قليلا من المنابر الإعلامية التي تتمتع بسقف مقبول من الحرية في بعض الدول التي تحكمها نخب ذات مستوى رفيع من الثقافة، إذ عددها لا يتجاوز عدد أصابع اليد وجميعها في شمال أوروبا.
صحيح أن الصحافة لا تزال تناضل منذ قرون طويلة لتخرج من عباءة الأنظمة الاستبدادية التي تهيمن عليها في معظم دول العالم خاصة في الدول النامية، ذلك لكون الساسة يملكون القوة والنفوذ اللذين يمكنهم من تحجيم دور الإعلام الذي هو في الأساس يحتاج للحكومات في العديد من النواحي كالموافقة على التشريعات والقوانين الصحفية التي قد تمنح سقف معقول من هامش الحرية، وكذلك التمويل من الإعلانات التي تكون مصدرها الحكومة، وأخيرا المعلومات التي تكون حبيسة أدراج السلطة التنفيذية، ولكنها تسربها وتجود بها لبعض الصحفيين المقربين منها دون غيرهم بهدف كسبهم وتحييد أقلامهم عن قول الحقيقة.
عمانيا حاولت بعض الأقلام نشر ثقافة الكراهية التي هي دخيلة على مجتمعنا العماني، الذي يتميز بالوحدة والتكامل والانسجام بين أبنائه من مسندم إلى ظفار وذلك باستخدام منابر الإعلام الجديد، خاصة شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت في متناول الجميع وكثر فيها الغث والسمين، كذلك انتشرت ثقافة تجريم الآخرين واتهامهم بالفساد وعلى وجه الخصوص بعض المسؤولين الذين يتولون حقائب وزارية هامة إن كانت بطريقة غير مباشرة، ونحن هنا لسنا في صدد تبرئه هؤلاء من تلك التهم، ولكن يجب علينا جميعا أن نتحرى الصدق ونبحث عن الحقيقة وإثباتها بالدليل القاطع لكي لا نقع في المحظور. لا شك أن كيل التهم بدون أدلة وبراهين يشجع الحكومة على إحكام قبضتها على الإعلاميين والمغردين، فتلك حجة منطقية للحكومات في كثير من دول العالم لوقف الفتنة ومنع الفوضى.
من هذا المنطلق أصبح من الضروري وضع ثوابت ومبادئ يلتزم بها الإعلاميون ورواد وسائل التواصل الاجتماعي على حد سواء في هذا البلد العزيز ولا يحيدوا عنها مهما كان
السقف المتاح لحرية التعبير ومن أهمها:
1.هناك إجماع بين العمانيين بأن الوحدة الوطنية خط أحمر لا يمكن التفريط فيها؛ فوحدتنا من المنجزات الغالية والنفيسة، وهي من ثمرات العمل المخلص للدولة منذ البدايات الأولى لمسيرتها الظافرة بقيادة السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- وهي صمام الأمان للوطن الذي يستحق منا الكثير؛ وعليه فالمحافظة على الثوابت والقيم الوطنية والمكتسبات مسؤولية جسيمة يجب على جميع المغردين العمانيين الحفاظ عليها ورعايتها مهما كانت التحديات؛ وذلك بتجنب تناول ما من شأنه إثارة الفتن بين أفراد المجتمع العماني عبر المنابر الافتراضية التي وفرتها الشبكة العنكبوتية، حفاظا على الأمن والاستقرار في هذا البلد العزيز؛ لتستمر المسيرة الخيرة بين الأجيال العمانية المتعاقبة. وهذا ما أشار إليه جلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - في خطابه السـامي فأكد على استكمال مسيرة المنجزات والبناء عليها.
2. الأسرار العسكرية والأمنية للوطن يجب أن تظل بعيدة عن عيون وسائل الإعلام وشبكات التوصل الاجتماعي، فعلى الصحفيين، وكذلك رواد وسائل التواصل الاجتماعي أن يدركوا بأن الأسرار العسكرية والأمور الأمنية يجب أن تحاط بالسرية والكتمان لأنها تتعلق بأمن الوطن وسلامة المواطن.
3.حياة الناس الخاصة هي ملك لهم لوحدهم، فليس من الحكمة إقحام القصص وحكايات الناس وأسرارهم الشخصية في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي . فقد أخفقت الصحافة الصفراء في دول الغرب بسبب تركيزها على حياة المشاهير والمسؤولين بهدف الإثارة وكسب المال على حساب حقوق الناس وخصوصيتهم.
في الختام، نتطلع إلى القائمين على وسائل الإعلام العمانية خاصة رؤساء التحرير الذين يقفون خلف البوابات الإعلامية ويدققون في مضامين المقالات وأعمدة الرأي؛ رفع سقف حرية التعبير في مجال النقد الإيجابي الذي يبني ولا يهدم بهدف تقويم الاعوجاج الحاصل في كثير من القطاعات المترهلة، والوقوف على جودة الخدمات التي تقدمها الوزارات للمواطن. فيجب أن يدرك هؤلاء بأن كل ما اشتدت الرقابة في الإعلام التقليدي العام والخاص، يلجأ الكتاب إلى شبكات التواصل الاجتماعي التي هي خارج سيطرة الجميع