جي فيرهوفشتات
حتى وقت قريب لم نتعرض لأي هجوم كبير على الأراضي البلجيكية. ولكن للأسف، غيرت أحداث الثاني والعشرين من مارس الفائت المقيتة هذا الأمر على نحو مفاجئ. وأصبحت بروكسل الآن تنضم إلى قائمة المدن الأوروبية التي تم استهدافها بهجمات كبيرة: مدريد ولندن وباريس.
ولكن هذه المذبحة الأخيرة لم تكن مجرد هجوم على بلجيكا. إن محطة مترو مالبيك، التي تكتظ بالكثير من الرجال والنساء والأطفال الأبرياء، هي نقطة عبور رئيسية للمنطقة الأوروبية. ونحن الآن نعلم أن أكثر من 40 جنسية حوصروا في هذه الهجمات. لقد كانت هذه ضربة في قلب أوروبا.
لقد أصبح واضحا أكثر من أي وقت مضى أننا نواجه تحديا أوروبيا. وإذا أردنا هزيمة من يريدون إلحاق الأذى بنا، فإننا بحاجة إلى أكثر من مجرد مسيرات ودعوات للتضامن؛ نحن بحاجة إلى عمل جماعي أوروبي لتحسين الأمن ووضع استراتيجيات فعالة لمكافحة التطرف في جميع أنحاء أوروبا.
وإذا أردنا النجاح، فعلينا أولا الاعتراف بحجم التحديات التي نواجهها ومعالجة الأسباب الجذرية لهذه الهجمات. فما الذي يدفع شبابنا إلى الرغبة في تفجير أنفسهم في مطاراتنا ومحطات المترو في مدننا؟
نحن نعلم أن الخلايات الإرهابية الحديثة منظمة تنظيما جيدا، وتتسم بحرية وسهولة الحركة، وتتميز بالاستقلال عن بعضها أيضا. قد لا تكون هذه الخلايا تحت قيادة مركزية واحدة، ولكنهم جميعا يستلهمون أفكارهم ومعتقداتهم مما يسمى بتنظيم داعش. وطالما استمر أن تنظيم داعش وعقيدته الملتوية في الازدهار، فسوف يواصل عملاؤه محاولة تجنيد وتدريب الشباب الأوروبي القابل للانحراف ولن نكون في أمان كامل أبدا.
إنه من الواضح أننا ينبغي علينا في جميع أنحاء أوروبا أن نبذل المزيد من الجهد لتبادل أفضل الممارسات والخبرات في مجال مكافحة التطرف. كما ينبغي علينا أيضا أن نفعل المزيد من أجل تحسين التكامل ومعالجة الفقر والبطالة اللذان ينتشران في مجتمعات كثيرة. إن من لا يجدون أملا في الحصول على فرصة عمل وفرصهم قليلة في الحياة هم الأسهل كثيرا للتجنيد في صفوف هؤلاء المتطرفين.
كما ينبغي علينا أيضا أن نتعاون معا لبذل المزيد من الجهد لمعالجة عدم الاستقرار والصراعات القائمة على أعتاب أوروبا – في سوريا والعراق وليبيا. فعلى مدى زمن طويل، فشل الأوروبيون وقادتهم السياسيون في إحراز تقدم في بناء قدرة دفاعية أوروبية. وكان الافتراض دائما هو أن الأمريكيين وحلف الناتو هم من سيحموننا. ولكن عندما قمنا بتقليص قدراتنا الدفاعية اكتشفنا أن الولايات المتحدة كان لها أجندتها الخاصة. لقد حوّل الرئيس أوباما أولويات الولايات المتحدة من الشرق الأوسط إلى أسيا. ولم يكن التدخل الذي شهدناه متناسقا، وأوروبا تدفع الثمن الآن. إننا نحن من يستقبل تدفقا غير منضبط من اللاجئين، وروسيا العدوانية على أعتابنا، وهجمات إرهابية وحشية، بيد أننا ليس لدينا الوسائل لتحقيق رد فعل جماعي على كل هذه التحديات. علينا أن نواجه حقيقة أن التوصل إلى حل سياسي للحرب السورية هو مسؤولية أوروبية وأن التحالف الأوروبي القوي هو فقط الذي يمكن أن يحقق حلا سياسيا لهذا النزاع.
والمنطقة الأخرى التي نحتاج فيها بشدة إلى بذل المزيد من الجهد وبشكل عاجل هي تحسين التنسيق في مكافحة الإرهاب وجمع المعلومات الاستخباراتية. فبعد كل هجوم إرهابي من الهجمات الأخيرة في أوروبا، كان قادتنا يعترفون أن تبادل المعلومات بين أجهزة الاستخبارات الوطنية كان من الممكن أن يتحسن. وقد كان هذا إلى حد كبير هو نتيجة هجمات باريس العام الفائت، ولكن عندما يحين الوقت لاتخاذ هذه القرارات، يؤكد القادة أن التبادل الإلزامي للمعلومات يقطع شوطا بعيدا.
أعتقد أن التبادل الإلزامي للمعلومات الاستخباراتية أمر حيوي جدا. وفي الحقيقة، أعتقد أنه يجب أن يكون هناك جهاز استخبارات أوروبي يقوم بجمع البيانات وإعداد العمليات في كل الدول الثمانية والعشرين الأعضاء. وقد أوضحت تيريزا ماي، وزيرة الداخلية البريطانية، أن عملاء المخابرات البريطانية ظلوا يساعدون المخابرات البلجيكية في العمليات الأخيرة. يجب توسيع هذا النوع من التعاون وهو وسيلة حيوية لرفع المعايير وتبادل الخبرات. فإن كان الإرهابيون لا يحترمون الحدود الوطنية، فلماذا تحترمها وكالات استخباراتنا؟
لقد ظل قادة الاتحاد الأوروبي مسكونين بهاجس إنشاء نظام أوروبي لجمع بيانات المسافرين يسمى نظام "PNR". لكن من المؤسف أن هذا النظام المقترح مازال لا يحتوي على أي قاعدة بيانات أوروبية، ولكنه عبارة عن مجموعة مكونة من 28 قاعدة بيانات منفصلة. فلا يتم تبادل البيانات إلا عندما تطلب دولة ما ذلك، والتبادل يغطي الرحلات الجوية فقط. وبالتالي فإن معلومات نظام "PNR" ليس لها فائدة كبيرة إذا أردنا تمزيق الخلايا الإرهابية بين فرنسا وبلجيكا.
في كل خطوة، كان إحجام زعماء الاتحاد الأوروبي للوصول إلى حلول أوروبية مفزعا. قد نتردد في وصف ذلك بأنه "إهمال جسيم"، ولكنه بدأ يبدو هكذا؛ فمازلنا ليس لدينا قوة خفر سواحل وحدود أوروبية، وتعاون استخباراتي أوروبي محدود وليس هناك قدرة دفاعية أوروبية.
لقد استطاع الاتحاد الأوروبي اعتماد مذكرة الاعتقال الأوروبية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر والتي سيتم استخدامها الآن لتسليم صلاح عبد السلام لفرنسا. فهل كان هذا انتهاكا للسيادة الوطنية؟ إلى حد ما، نعم كان كذلك، ولكن كل أوروبي أصبح أكثر أمنا بسببه. لقد تم التهاون في بعض السيادة، ولكن تم تعزيز الأمن.
إن الهجمات التي حدثت في كل من باريس وبروكسل هي أحداث الحادي عشر من سبتمبر الخاصة بنا. لقد أصبح الآن أكثر أهمية من ذي قبل أن نترك الكلام عن زيادة التنسيق وراء ظهورنا وأن نتخذ إجراءات حقيقية على المستوى الأوروبي.
رئيس الوزراء السابق لبلجيكا وهو زعيم تحالف الليبراليين والديمقراطيين من أجل أوروبا في البرلمان الأوروبي.