مسقط - ش
علمت جائحة كورونا (كوفيد19) الجميع أن إدارة الأزمات ليست فقط مواجهة ما يحدث، بل أيضا التوقع والاستعداد لما قد لم يحدث، وقد تمضي السيناريوهات بمنأى أخر ولكن يبقى التأكيد أن لكل حدث رواده ولكل جيش جنده. وهكذا كانت مديرية الخدمات الصحية لمحافظة مسقط وبواسلها، أحد أهم من نزل في مواجهة الفيروس المستجد، فوقع على عاتقهم الحمل الآكبر، في الوقت الذي أعلنت فيه الصين أن فيروسا ليست له معالم واضحة بعد سوى أنه من الفصلة التاجية، وظل الفيروس المستجد يناكف العالم ويفاجئهم بمغالطة دراساتهم نحوه وتباينها.
وضعت وزارة الصحة استراتيجيتها الوقائية وفعلت جميع قطاعاتها ودوائرها للحدث وتم تهيئة الفرق الداخلية وتقسيمها على ميادين الواقع. ومن هنا انطلق دور المديرية العامة للخدمات الصحية لمحافظة مسقط، فكانت في الصفوف الأمامية من المرابطين ضد الجائحة وبحكم وجود المطار على أرضية وقواعد خدماتها، فقد تم تعزيز العيادة المتواجدة به ورفدها بالكوادر الطبية والكوادر الطبية المساعدة وقد حرصت دائرة الوقاية ومكافحة العدوى على تدريب جميع الفرق والكوادر الصحية التي توزعت على المطار والمنافذ الحدودية البحرية والجوية المدنية بالإضافة إلى كوادر القطاعات الأخرى المساندة كشرطة أمن المطار على آلية التعامل وإجراءات الوقاية ومن هنا كانت البدايات ....
عمان تسعى لمنع كوفيد19 من اختراق منافذها
كانت لاتزال الرحلات والخطوط الجوية تمضي وفق جدولها الزمني الطبيعي المحدد مسبقاً، والتركيز ينصب حول توزيع الاستمارات على كل من هو قادم أو له علاقة بالسفر الى جمهورية الصين، وبالتعاون مع شرطة عمان السلطانية ومطار مسقط الدولي، تم الوصول الى جميع القادمين من الصين خلال أربعة عشر يوما ، للطلب منهم عزل أنفسهم وعدم الاختلاط بأحد لمدة أسبوعين مع اعطائهم كافة الارشادات للعزل وقام فريق مختص بمتابعتهم والاتصال بهم بواقع ثلاث الى أربعة اتصالات طيلة فترة العزل، والتأكد من عدم حدوث أي تغيير في العوامل الحيوية لديهم كدرجة الحرارة أو السعال وغيرها من الأعراض التي تتطلب اجراء الفحص الخاص بكوفيد19.
وشيئا فشيئا كان الوباء ينتشر في دول أخرى وتتسع رقعته الجغرافية فقد أوصت وزارة الصحة في بيانها السادس بتاريخ 22 فبراير من هذا العام بتجنب السفر إلى جمهورية الصين الشعبية وجمهورية كوريا الجنوبية واليابان وسنغافورة والجمهورية الإسلامية الإيرانية، كما قررت عزل القادمين من هذه الدول كإجراء احترازي للوقاية ولتجنب انتشار فيروس كوفيد 19.
كوفيد19 يصل عمان عبر منافذ العبور
أعلنت السلطنة في فبراير الماضي عن اكتشاف أول حالتين لمصابتين بكورونا كوفيد 19 مرتبطتان بالسفر إلى إيران، إذن فالعدو قد وصل لساحة المعركة، مما استدعى الى وجوب عزل القادمين من الدولة الموبوءة.
انقسمت طريقة العزل في البداية إلى طريقتين وقد كانت اختيارية لمن يوجد لديه مكان للعزل المنزلي، أما من لم تكن ظروفه مناسبة للعزل المنزلي فيتم عزله في مبان مجهزة تابعة للوزارة مع توفير المتابعة للمعزولين بواقع ثلاث إلى أربع مرات للإطمئنان على سير الأمور لديهم سيرا طبيعيا وتوصيتهم في حال ظهور أي أعراض تخص الفيروس والتي تم شرحها مسبقا بالاتصال على الخط الساخن الذي تم تزويدهم به مسبقاً.
صحية مسقط مستنفرة
منذ ذلك التاريخ تضاعفت إجراءات التقصي وازدادت الأعداد، أخذت الراصدات الحرارية ترصد حرارة الأجساد عن بعد يصل لمسافة ثلاثمائة متر مربع، مع اطلاق صافرات التنبيه عند مرور جسم ذو درجة حرارة غير طبيعية، وأخذ الكادر الصحي بتوزيع استمارات العزل مع كافة الارشادات والاحترازات الوقائية في العزل ومن ثم تسجيل بيانات الأشخاص القادمين من الدول الموبوءة وفرز تلك البيانات لمتابعة المعزولين من قبل المراكز الصحية التابعة لمحافظة مسقط، في حين تم توزيع استمارات الأشخاص من خارج محافظة مسقط إلى مديريات الصحة بمحافظاتهم لمتابعتهم.
ظل دور المديرية العامة للخدمات الصحية بمحافظة مسقط دوراً مهما وجهداً استثنائيا، فقد كانت المؤشرات تأتي من واقع الميدان، وبحكم وجود المطار في جغرافية المنطقة؛ فقد تطلب الأمر المزيد من الاستنفار واسناد عيادة المطار بالكوادر الصحية من المراكز والمجمعات الموجودة في المحافظة وذلك بعد تدريبها وتأهيلها ومن ثم تجيشها للالتحاق بالجيش الأبيض في المعركة، تلك المعركة التي تبدو كحرب ضروس يمارس فيها العدو لعبة الاخفاء، فأصعب المعارك على الاطلاق أن تخوض حربا باردة، تتسبب في تشلل مفاصل الدولة جزءا فجزء فتخفت أضواء المطارات، وتستنفر الموانئ والحدود وتغلق الثغور والمعابر يقابلها سلاح واحد هو الوعي والوقاية أمام قاتل لاتكشفه إلا عدسات المجاهر وفاحصات الأوبئة.