المتسولات.. وصلن!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٧/أبريل/٢٠١٦ ٠٧:١٠ ص
المتسولات.. وصلن!

لميس ضيف
lameesdhaif@gmail.com

لسنا بحمقى ولا مغفلين ولكننا شعوب عاطفية، حبانا الله قلباً رحيماً يتعاطف مع قضايا من هم في أقاصي الأرض، فما بالكم بمن يشاركونا الهوية والدين، لذا نقع أحيانا في أفخاخ عديمي الضمير.. وما أكثرهم في زمن زاد الطين فيه على الماء..

*****

في ظهيرة يوم مشمس مررت بسيدة منقبة بدا وكأنها تنتظر عبور سيارة أجرة في ضاحية السيف. وقفت لها بلا تردد وكانت تتأبط فتاة هزيلة في السادسة.. طلبت مني توصيلها لإحدى العيادات الخاصة وأمطرتني بعبارات الشكر فطالبتها بالتوقف «كلنا عابرون في هذه الحياة -قلت لها- ولا منّة لأحد إن ساعد آخر»، فطفقت تشكو لي حالهم في الغربة، ونكبة بلادهم، وكيف تشكر الله على الأمان الذي يعيشونه في السلطنة، وطفقت تشرح لي كيف أن راتب زوجها لا يكفيهم ويبقى منه بعد الإيجار 40 ريالا.. وقالت لي بحزن «لا بأس.. فالمرء منا يستطيع النوم بلا عشاء ولكنه لا يستطيع النوم بلا أمان».

كانت تتكلم وأنا أستذكر المبلغ الذي كنت قد عزلته في حقيبتي لراتب العاملة وأعتزم منحها إياه. ولأعفيها من الحرج انتظرت حتى وصلنا لباب العيادة فلما سلمتها المبلغ، تشبثت بي مطالبة بقرض لتسديد إيجار متراكم.. طلبت رقم هاتفها أو حسابها لأزودها بالمبلغ لاحقا فصبت لي الذرائع، ما أثار الريبة في نفسي، ووصفت لي أقرب صراف آلي لأستزيد لها من المال رغم أنها قالت لي إنها وصلت قبل أسبوع، ما زاد في شكي !

قالت إن ابنتها مصابة بالانفلونزا فيما بدت لي سليمة معافاة.. ومع ذلك -ورغم ذلك- سلمتها مزيدا من المال «فلو صدق السائل لهلك المسؤول» وأسررت الأمر ولم أطلع عليها أحداً..
بعد أسابيع سمعت صديقة تقول إنها ذهبت مساء لمستوصف حكومي وصادفت عند الباب سيدة - من الجنسية ذاتها- مع ابنها هذه المرة وأخبرتها السيدة أن المستوصف رفض علاجها وهي بحاجة للمال لعلاج ابنها!
للوهلة الأولى بدا لي أنها تتكلم عن السيدة ذاتها ولكن وصف هيئتها كان مختلفا رغم تطابق القصة!

وعندما شاركت أشقاءها في الأمر تبين أنهم واجهوا الموقف ذاته في مواقع مختلفة!

قبل أيام فقط تكرر الموقف معي، وقفت مجددا لسيدة «أخرى» مع طفل وطلبت مني توصيلها لمستشفى في الغبرة.. وتلت على مسامعي ذات الموشح «الأربعون ريالا التي لا تكفيهم، الإيجار المتراكم و..و..» وتركتها تسترسل في الحديث فلما قالت «الإنسان يستطيع النوم بلا عشاء ولكنه لا يستطيع النوم بلا أمان»، ثبتت الرؤية.. قلت لها بحزم «من يلقنكن هذا الكلام؟ وهل أنتن مجموعة منظمة؟».. ارتبكت وتعجلت بالترجل!!

لا أستطيع الجزم تحديدا إن كانت تلك جماعة منظمة لها قائد أم مجرد مجموعة من المحتالات «اللواتي تبادلن الخبرات» ولكن صديقتي ألحت علي أن أكتب عن الموضوع لأحذر الجميع.. علما بأننا سمعنا بوجود متسولين رجال من الجنسية ذاتها متناثرين بشكل خاص في السيب وضواحيها..

إننا شعوب رحيمة - والحمد الله على هذه النعمة- وقلوبنا تطفح بالمحبة للجميع، ولكننا لا نقبل أن تستغل هذه النقطة ضدنا.. وأن يستثمر البعض معاناة بلاده في التسول والتكسب.