هل لدينا سياسة سكانية؟

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٥/ديسمبر/٢٠١٩ ١١:٤٤ ص
هل لدينا سياسة سكانية؟

علي بن راشد المطاعني

إحدى المتابعات المطّلعات والمتخصصات في المجالات الصحية طرحت عليّ سؤالا حيرني، ولأنه كذلك فها أنا ذا أُحيله إليكم، السؤال يقول: هل لدينا في السلطنة سياسة سكانية؟ في الواقع فشلت في الإجابة عليه، ثم استطردتْ مؤكدةً بأنه ليست لدينا سياسة سكانية توجه نحو رصد النمو السكاني والتوزيع الديمغرافي، ومتابعة وتحليل الهجرة الداخلية والخارجية وغيرها من ضرورات التخطيط السليم في أي بلد يتبع النهج العلمي والمدروس بعناية وبناءً على تلك المعطيات توضع الخطط والدراسات في مجالات التعليم والصحة والخدمات بأنواعها.

نذكر أنه في عام 1999 تم إنشاء لجنة لوضع السياسة السكانية برئاسة وزير الاقتصاد الوطني آنذاك وتضمنت أعضاء من وزارة الصحة، التربية والتعليم، التنمية الاجتماعية، الإعلام، بالإضافة الى شرطة عُمان السلطانية، ومن ذلك الوقت لم نسمع مصطلح (السياسة السكانية) يتردد مع كل خطة تنموية يتم الإعداد لها، ويتم رصد الخدمات والموازنات بناءً على هذا المصطلح شديد الأهمية والأثر، ولأن الأمر كذلك تتناهى لمسامعنا وعلى نحو دائم شكاوى من عدم كفاية الخدمات في بعض الجهات، والسبب بطبيعة الحال معروف بناءً على ما أشرنا إليه، ولسد الرتق في هذه الثغرات يتم اللجوء لخطط الطوارئ، وفي مطلق الأحوال فإن المحصلة النهائية هي خدمات غير مكتملة البناء والأركان.

الآن، من الأهمية بمكان وضع الخطط والإستراتيجيات للسياسة والتركيبة السكانية وفقًا للبيانات المتوفرة من جانب المركز الوطني للإحصاء والمعلومات وتوظيفها بشكل يساعد على تلافي الكثير من الفجوات، فكما هو معلوم فإن غالبية العُمانيين الآن هم من فئة الشباب، وتبلغ نسبة الوافدين حاليا حوالي 43%، ومن المهم أن يتم رصد كل تغيير وحركة في هذه النسب وعلى مدار العام وفي كل محافظات السلطنة من خلال سياسة سكانية فعالة تقدم الحلول الجذرية للجهات المختصة.

وما يتعيّن الوصول إليه في نهاية المطاف حقيقة أن الكثافة السكانية وتوزيعها يجب أن تنسجم وتتناغم مع أهداف التنمية المستدامة والسياسات السكانية وخاصة المؤثرات والانعكاسات الخاصة بالهجرة الداخلية والخارجية، وكذلك الهجرة العكسية بالنسبة للعُمانيين وغيرهم من الجنسيات، وجميعها معطيات تحدد أعداد السكان في السلطنة وماهية التركيبة السكانية.

إن وجود سياسة سكانية مُحكمة سيساعد حتمًا في توجيه السياسات الاقتصادية وإيجاد الحل ربما الجذري لمشاكل الباحثين عن عمل؛ فالمعرفة المُسبقة بأعداد السكان في كل محافظة وتركيبتهم العمرية سيساعد على التخطيط للتعليم والصحة وتوفير فرص العمل بحيث يتم السيطرة بقدر الإمكان على مشاكل الباحثين عن العمل ورفع مستوى الدخل للأفراد، فعلى سبيل المثال لا الحصر في مدينة جنيف السويسرية، لا يمكن لأي شخص أن يشتري أو يقيم في المدينة إلا بتصريح من الحكومة، بحيث يتم الاهتمام بوجود الخدمات البلدية والتعليمية والصحية وغيرها بناءً لوجود شخص إضافي جاء للتو للمدينة يتحتم ضمان كفاية هذه الخدمات لتشمل الوافد الجديد.

بالطبع هناك من الخدمات ما تلبي الاحتياجات نوعًا ما، إلا أنه ومع وجود سياسة سكانية دقيقة من شأنها توفير الكثير من الخدمات بالتزامن مع توافد السكان في هذه الولاية أو تلك أو بهذا الحي أو ذاك، وهذا هو العلم عندما يتجلى على صيغة إبداع.

نأمل أن تكون لدينا سياسة سكانية واضحة ومعروفة ومنشورة تتناول كل المستجدات الآنية واللحظية والسنوية في هذا المجال، وبناءً على إحداثياتها تقوم وترتكز كل خططتنا التنموية القادمة، وبذلك فقط سنتلافى تلك الثغرات المزعجة في برامج الخدمات المختلفة.