مواجهة داعش الآن؟

مقالات رأي و تحليلات السبت ٠٢/أبريل/٢٠١٦ ٢٣:٣٦ م
مواجهة داعش الآن؟

ترودي روبين *

بعد بروكسل، تبدو استراتيجية الرئيس أوباما المتمثلة في هزيمة تنظيم داعش بشكل تدريجي محفوفة بالمخاطر بشكل مفزع، وأبطأ مما ينبغي.
نعم، فقدت داعش نحو أربعين بالمئة من الأراضي التي سيطرت عليها في كل من سوريا والعراق، والتي استعادت معظمها القوات الكردية بدعم جوي من الولايات المتحدة، ولكن داعش مازال يسيطر على المدن الواقعة في قلب ما يسمى بالدولة الإسلامية: الرقة في شرق سوريا ومدينة الموصل الحضرية الكبرى في شمال العراق. والآن يبدو من غير المحتمل تحرير أي من تلكما المدينتين في أي وقت قريب.
تلك القاعدة الإقليمية العابرة للحدود تمكن الجهاديين من الاحتفاظ بجاذبية أيديولوجيتهم للشباب المسلم الذي يشعر بالغربة في أوروبا وغيرها. وهذه القاعدة أيضا تسمح لداعش بالحفاظ على خيالها بأنها قد أعادت بعث وإحياء الخلافة الإسلامية. إنها تسمح لهم بالاحتفاظ بمقاتلين يحملون جوازات سفر أوروبية ممن يستطيعون العودة إلى أوطانهم وإحداث المذابح هناك.
وعلاوة على ذلك، فإن الخوف الذي ينشأ عن هذه الهجمات يغذي موجة شعبوية يمينية في أوروبا تهدد بتقويض أهم تحالفات أمريكا وهي الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو).
ولكن لا شيء من هذا يمكن أن يعد مبررا للفشل الأوروبي الذريع في تبادل المعلومات الاستخباراتية أو العمل على المعلومات التي كان يمكن أن تمنع مأساة الأسبوع الفائت. ولكن كارثة بروكسل تفرض علينا السؤال التالي: هل يجب على الولايات المتحدة التحرك بشكل سريع لإنهاء الخلافة المزعومة، قبل أن يغرس داعش جذوره بشكل أكثر عمقا داخل أوروبا وشمال أفريقيا – ثم ينتشر إلى أمريكا؟
بعد أن قضيت أسبوعين في العراق وسوريا، فإن إجابتي هي: نعم. ولكني لا أعني إرسال قوات مشاة البحرية (المارينز).
في الحقيقة، الأفضل أن ننظر إلى ما لن يجدي قبل أن نطرح الخيار المعقول (ولكنه محفوف بالمخاطر) الذي يمكن أن يدحر الخلافة المزعومة.
في البداية، دعنا ننظر إلى العلاج الأحمق ما بعد بروكسل الذي عرضه كل من دونالد ترامب (المزيد من التعذيب) وتيد كروز ("حراسة وتأمين" الأحياء الأمريكية المسلمة)، وهما علاجان من شأنهما خلق المزيد من المجندين لداعش وليس ردعه.
لقد أدى تعقيد الجبهة السورية بكثيرين إلى التركيز أولا على خيار العراق. فقد ظلت القوات الأمريكية تعيد تدريب الجيش العراقي الذي انهار في عام 2014 عندما غزى تنظيم داعش الموصل. وقد كانت الآمال المبكرة تتمثل في إمكانية تحرير الموصل في عام 2015، ولكن هذا الهدف تأخر حتى عام 2016، بل ومازال ذلك التاريخ حتى الآن محل شك.
في حديث له في منتدى عقدته الجامعة الأمريكية في العراق بالسليمانية، حذر المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي ضد داعش، بريت ماكغورك، من التوقعات بتحرير سريع للموصل، وقال: "كل شيء الآن يسير في الطريق الصحيح، ولكن هذا الطريق طويل. إنه سيكون أطول مما يريد الناس".
وأسباب التأخير: يتم الضغط على رئيس الوزراء العراقي الضعيف من قبل قادة الميليشيات المدعومة من إيران من أجل السماح لمقاتليهم بقيادة الهجوم على الموصل – وهي مدينة ذات أغلبية سنية. وهذا من شأنه أن ينذر بخطر اندلاع مذبحة طائفية.
كما أن الاقتتال السياسي أيضا أدى إلى تأخير جمع القوة القبلية السنية البالغ تعدادها 15000 مقاتل من شمال العراق للانضمام إلى الجيش. إن هذا المكون السني ضروري جدا لطمأنة سكان الموصل المدنيين بأن قوات مكافحة داعش لن تنتقم منهم.
قال لي اللواء الركن نجم الجبوري، قائد مركز العمليات المكلف بتنظيم الهجوم على الموصل: "إن الاقتتال بين السياسيين في بغداد في الوقت الذي نقاتل فيه نحن داعش يضع حجرا في طريق العراق. نحن ليس لدينا قوات كافية ولا معدات كافية".
إن إعادة تدريب قوات الجيش العراقي تسير ببطء. يقول الجبوري إن لديه ثلاثة ألوية ولكنه يستطيع استخدام ثمانية إلى ثلاثة عشر لواء. وهذا العجز يعني أن هجوم الموصل من المرجح أن يتم على مراحل؛ وأي تحرك لاستعادة الجوهر الحضري قد لا يحدث قبل عام 2017.
هذه الحقيقة المرة تضطرنا إلى إعادة النظر فيما إن كان هناك أي احتمال لتحرير مبكر للرقة، ومن الذي يمكنه توفير القوات.
الإجابة السهلة (ولكنها غير صحيحة) هي: دع الروس يفعلونها مع حليفهم الأسد. إن قوات الحكومة السورية ، مدعومة بقوة جوية روسية (نعم، مازال فلاديمير بوتين نشطا في سوريا)، أستعادت السيطرة على تدمر، التي تقع على طول طريق حاسم إلى الرقة.
ولكنه من قبيل الأمل البعيد توقع أن يستعيد الجيش السوري غير المستقر الرقة. كما أنه لا موسكو ولا دمشق لديهما السبب الاستراتيجي للقيام بذلك. (الوجود المستمر لداعش يتم استخدامه من قبل روسيا لتبرير الإبقاء على الأسد في السلطة.)
وهو ما يقودنا إلى المقاتلين الوحيدين المستعدين والقادرين على استعادة الرقة من داعش إن لم تمنعهم مجموعة من العقبات السياسية: الأكراد السوريين.
إن المقاتلين الأكراد السوريين، مدعومين بقوة جوية أمريكية، قد طردوا داعش سلفا من مساحات واسعة في شرق سوريا. قال صالح مسلم، الرئيس المشارك لحزب الأكراد السوريين، حزب الاتحاد الديمقراطي، متحدثا في منتدى السليمانية: "نحن نعتقد أن الرقة يجب استعادتها في أسرع وقت ممكن. نحن نستطيع الوقوف في وجه داعش وتحطيم أسطورة داعش".
وهو محق إلى حد كبير. فمع دعم أمريكي أكبر، ومحاولة لتجنيد المزيد من المقاتلين القبليين السنة للانضمام إلى الأكراد، قد يستطيعون استعادة الرقة. يقول صالح مسلم إنهم سيعطون هذه المدينة السنية حكما محليا في نطاق منطقة كردستان السورية وشمال سوريا ذات الحكم الذاتي المعلن من قبلهم. ويقول إن الأكراد سيضمنون عدم ظهور داعش مرة أخرى في المنطقة المحررة.
ولكن تركيا، التي هي في حرب مع أكرادها المتمردين، تعارض هذه الفكرة بعنف.
ينبغي على واشنطن أن تحاول جاهدة إقناع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باستئناف المحادثات مع المتمردين الأكراد في كل من تركيا وسوريا، ولكنه لا يبدو منفتحا على العقل والمنطق.
وعلاوة على ذلك، من غير الواضح بالمرة أن سكان الرقة العرب السنة سيقبلون العيش تحت قيادة كردية. يقول جوشوا لانديس، الخبير البارز في الشؤون السورية بجامعة أوكلاهوما: "هذا يمكن أن يصبح مشكلة مهيجة حقيقية بين الأكراد والعرب والأتراك."
ولكن إن كان الهدف هو تدمير داعش بسرعة أكبر، فإن مساعدة أكراد سوريا على استعادة الرقة قد يكون هو الخيار الوحيد، الخيار الذي يجب على الأقل دراسته بجدية. فكلما طال احتفاظ داعش بقاعدته الإقليمية في الرقة والموصل، كلما زاد تهديده للغرب.

* كاتبة عمود في مجال الشؤون الخارجية في صحيفة فيلادلفيا إنكوايرر