إعادة الأمل لليمن

مقالات رأي و تحليلات السبت ٠٢/أبريل/٢٠١٦ ٢٣:٣٦ م
إعادة  الأمل لليمن

احمد المرشد

تئن القلوب وتدمع الأعين ونحن نتحدث عن اليمن الذي وصفه العرب القدامي باليمن السعيد، وحوله المتمردون والانقلابيون الي اليمن الحزين، المريض، الذي لا يحتاج لمجرد عملية جراجية لكي يعود الي سيرته الأولي وإنما يتطلب هذا العمل جهد عربي وإسلامي ودولي ضخم.

لم يكن انهيار اليمن فقط مع بداية الثورة اليمنية ضد الرئيس السابق علي عبد الله صالح، لأن الأعوام التي سبقت 2011 موعد اندلاع ثورة اليمنيين ضد رئيسهم المعزول بفعل المبادرة الخليجية ، شهدت الكثير من المآسي والحروب، فمن حرب حقيقية ضد القاعدة الي حرب اكتشفنا أنها وهمية رغم أنها أجهزت علي كل الميزانيات اليمنية، هذه الحرب كانت بين الحوثيين من جهة ونظام صالح من جهة أخري، ثم نكتشف زيف هذه الحرب بالحلف الوثيق بين الطرفين في الحرب الحالية التي يشنوها ضد السلطة الشرعية في اليمن وتسببوا في خرابها.

ولكن لماذا نكتب حاليا عن اليمن..فالمناسبة هي مرور عام علي حرب "عاصفة الحزم" التي تطورت لاحقا الي "إعادة الأمل" التي أعادت قدرا كبيرا من الحقوق والأراضي لليمنيين والتي اغتصبها تحالف "الحوثيون- صالح"، و نكتب عن اليمن لأسباب عدة منها نجاح المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ التوصل الي اتفاق هدنة بين كافة الفرقاء تبدأ اعتبارا من العاشر من أبريل الحالي علي أن تليها المفاوضات لاحقا، والسبب الثاني من المهم بمكان ويتعلق باجتماع رؤساء أركان التحالف الإسلامي الذي اختتم أعماله بالرياض مؤخرا، والسبب الثالث نركز فيه علي نتائج حرب التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ومساهمات هذا التحالف عبر حملتي "عاصفة الحزم" و "إعادة الأمل" في بث الأمل في نفوس اليمنيين.

لقد مر عام تقريبا علي العمليات العسكرية للتحالف العربي، ولم يكن عاما عاديا بل عصيبا ، فقد كانت الحرب ضارية ولم تكن مواجهة عادية، فالعدو ليس غريبا ولا دخيلا وإن كان مدعوما خارجيا، بل من أبناء البلد، ولكنه يطمع في السيطرة عليها ومقدراتها لمصلحة جهات إقليمية، فكانت الحرب بالوكالة، ومما يؤسف له هو تحالف علي عبد الله صالح مع الحوثييين للنيل من الشرعية في تصرف غير محسوب منه.

ولعل من أهم نتائج العمليات العسكرية للتحالف العربي في اليمن هو تقليص امكانيات "الحوثيون – صالح " وتقوية أو لنقل استعادة شرعية النظام السياسي للرئيس عبد ربه منصور هادي وحماية الملاحة الدولية فى باب المندب .. ولا يهمنا هنا ما يردده الحوثيون وأنصارهم من رجال على عبدالله صالح ، فهم يزعمون أنهم صمدوا فى وجه عمليات التحالف العربي، ولكن الحقيقة مغايرة تماما، فالهزيمة كانت من نصيبهم وتقلصت مساحات الأراضي التي كانوا يسيطرون عيلها قبل عمليات التحالف العربي ولعل مدن عدن تعز ومأرب والجوف ، وجبهات نهم وبنى حشيش غرب العاصمة ومعظم المدن اليمنية خير شاهد علي خسائرهم. وتقول الحقائق الموثقة، إن انتصارات التحالف أجهضت أحلام الحوثيين وصالح لتتراجع سيطرتهم علي الأرض الي الثلث تقريبا مقارنة بما كان قبل عام. ليس هذا فحسب، لأن ثمة نتيجة مهمة جدا تضاف الي تقليص مساحة الأراضي التي كانت بحوزة الانقلابيين، خاصة وأن العمليات العسكرية للتحالف العربي وعلي مدي "عاصفة الحزم" ومرحلتها الثانية "إعادة الأمل" دمرت القوة الضاربة لأنظمة تسليح الانقلابيين والممثلة في القوة الصاروخية والجوية والأسلحة البرية الثقيلة لمليشيات صالح وحلفائه الحوثيين. ولعل نتيجة استراتيجية تحققت بفعل عمليات التحالف أيضا وهي تأمين كافة الموانئ الاستراتيجية ومضيق باب المندب والمدن الرئيسية والمناطق النفطية والحيوية .

هذه الخسائر التي مني بها تحالف "الحوثيون – صالح " تقودنا الي الشق الثاني من الموضوع وهو رضوخ هذا التحالف لشروط المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ خاصىة بعد تغير موازين القوة لمصلحة الجيش الوطني اليمني المدعوم عسكريا من قوات التحالف العربي، مما كشف عن عجز عسكرى خطير في قوات " الحوثيون -صالح " وفرض خضوعهما للمفاوضات وطلب رعاية تسوية جديدة لإيقاف الحرب على أساس الالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن 2216 . وهو ما يؤكد صعوبة أوضاع الانقلابيين خاصة إذا علمنا أنهم تسببوا في فشل جولتين سابقتين فى جنيف بسبب فرضهم شروطا تعجيزية أمام المفاوضات، ولكن نجاح قوات التحالف العربي في تحقيق إختراقات مهمة فى جدار الصراع الداخلى على السلطة فى اليمن نتيجة عدة اعتبارات على الأرض ومتغيرات فى المحيط السياسى الإقليمى والدولى ، قد مهد فعليا في بث بصيص أمل لايجاد فرصة حقيقية للسلام ، بعد نجاح العمليات العسكرية للتحالف العربي والتي قلبت المشهد اليمنى عما كان قبل عام.

وننتقل لنقطة غاية في الأهمية تتعلق بتغيير الأوضاع علي الأرض وانقلاب الأمور ضد تحالف الانقلابيين أنفسهم وتتعلق باجتماع رؤساء أركان جيوش دول التحالف الإسلامي بالرياض، والذي خصص أعمال اجتماعه الأول لمحاربة الإرهاب، فقد أكد (إعلان الرياض) أهمية الدور العسكري في محاربة الإرهاب وهزيمته وتنسيق الجهود العسكرية لدول التحالف٬ وتبادل المعلومات والتخطيط والتدريب٬ وعزمهم تكثيف جهودهم لمحاربة الإرهاب من خلال تعزيز عملهم المشترك تبعا لإمكانية الدول الأعضاء٬ وحسب رغبة كل دولة عضو في المشاركة في أي عملية أو برنامج ضمن إطار مركز التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب وفًقا لتنظيمه وآلياته٬ وبما لا يخل باحترام سيادة الدول الأعضاء.

لقد كان لـ"إعلان الرياض" أهمية كبيرة في تغيير الأوضاع باليمن كما أشرنا، فالتحالف العربي في طريقه للتوسع ليكون إسلاميا، والهدف عسكري بحت ولمحاربة الإرهاب، وهو ما ينطلق علي الحالة اليمنية ، مما دفع الانقلابيين للتفكير مليا في حقائق الأمور والمسارعة الي طلب الهدنة، خاصة في ظل دعوة رؤساء أركان الجيوش الإسلامية إلى اتخاذ كافة التدابير اللازمة وتطوير السياسات والمعايير والتشريعات الوقائية الرقابية الكفيلة بمكافحة دعم وتمويل الإرهاب والوقوف بحزم ضد جرائم تمويل الإرهاب. هذا بالاضافة الي تشديد رؤساء الأركان على أهمية العمل الجماعي والمنظور الاستراتيجي الشامل للتصدي الفعال للإرهاب والتطرف خاصة في ظل ما يمثله الإرهاب من تهديد مستمر للسلم والأمن والاستقرار٬ وفي ظل ان التطرف قد أصبح ظاهرة عالمية.

ربما يقول قائل إن الحوثيين وحليفهم صالح قد يتراجعون عن اتفاق الهدنة الذي أعلنه إسماعيل ولد الشيخ بين الأطراف اليمنية وينص على وقف القتال في العاشر من أبريل المقبل واستئناف المفاوضات المباشرة بين الحكومة الشرعية٬ من جهة٬ والحوثيين وممثلي حليفهم المخلوع علي عبد الله صالح٬ من جهة ثانية٬ في الثامن عشر من الشهر نفسه في دولة الكويت. فقد لا يهمنا هنا ما يتردد حاليا من احتمال التخلي عن تنفيذ الاتفاق وأن يظل الانقلابيون يحتفظون بأسلحتهم وقواتهم في صنعاء، لأن طبيعة ما يجري علي الأرض حاليا قد يدفع هؤلاء الي التخلي عن قوتهم في واقع الأمر رغم ما يحاولون تصويره بأنهم لا يزالون قوة حقيقة علي الأرض.

كما أن واقع الحال يؤكد توصل إسماعيل ولد الشيخ لتفاهمات جادة من كافة الأطراف، تبدأ بموجبها الهدنة علي أن تعقبها المفاوضات بثمانية أيام بالكويت. ناهيك عن تحديد المبعوث الدولي جدول أعمال هذه المفاوضات المرتقبة وتتلخص في انسحاب الميليشيات، وتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة للدولة، والتفاهم على ترتيبات أمنية مؤقتة، وتفعيل مؤسسات الدولة مع حوار عام يشمل كل اليمنيين، وتشكيل لجنة تحل قضايا المعتقلين والسجناء.

ويقول أحد العالمين ببواطن الأمور بالساحة اليمنية ، أن قبول السلطة الشرعية والتحالف العربي بمبدأ المفاوضات لم يكن من موضع ضعف وأنما قوة، فهم المنتصرون وحرروا معظم الأراضي اليمنية ونجحت حملتهم العسكرية وأعادوا بسط السلطة الشرعية لمعظم اليمن ، والأهم من كل هذا أن الهدف من المفاوضات في النهاية هو عدم إقصاء فريق عن العملية السياسية بل الحرص علي مشاركة الجميع فيها طالما عرف كل طرف حدوده وامكانياته ، فالحرب غير مرغوبة ومكلفة والعمل العسكري لا يحل الأزمةبمفرده . ومن هنا كانت الرغبة الحقيقية للسلطة الشرعية والتحالف العربي في شرعنة المفاوضات المرتقبة والقبول باتفاق الهدنة ، فالتوصل إلى حل بالتفاوض والتراضي، خير من انتصار عسكري دون حل سياسي..إن ما يشاهد أخبار اليمن ويقرأها ليشعر بغصة في الحلق مما لحق بهذا البلد ، ويكفيه ما رأي وعاني ولعل في مفاوضات الشهر الجاري خير لشعبه وأن يعود الانقلابيون لوعيهم ورشدهم ويتنازلون عن تحالفهم.

كاتب ومحلل سياسي بحريني