القاهرة – الشبيبة
ربما يكون اسمها «عايدة» ولكنها لا تمت بصلة للأوبرا الشهيرة التي قدمها الموسيقار العالمي فيردي وتحمل نفس الاسم، فهي بالقطع لا تغني في مملكة مصر القديمة، بل أن هذا الروبوت الذي يأخذ شكلا بشريا يستطيع أن يرسم لوحات فنية يجسد فيها كل ما تقع عليه عيناه، أو بالأحرى... تقع عليه الكاميرات الخاصة به التي تعتبر بمثابة عينيه.
وبحسب موقع «الشروق « المصرية يعود الفضل في اختراع «عايدة Ai-Da» إلى شركة بريطانية تحمل اسم «انجينيرد أرتس» ) وتقع في مدينة أوكسفورد، ويحمل هذا الروبوت اسم خبيرة الكمبيوتر المعاصرة «أدا لوفليسAda Lovelace»، وهو الحلقة الأخيرة في سلسلة طويلة متنوعة من الروبوتات التي يمكنها ابداع أعمال فنية اعتمادا على مجموعة من المعادلات الخوازرمية الحوسبية.
ولكن السؤال هو هل تعتبر الصور التي يتم إنتاجها بواسطة مزيج من المعادلات الخوارزمية والأذرع الميكانيكية الدقيقة نوعا حقيقيا من الفنون؟ ومن أين يأتي الإبداع في هذه العملية؟ تثار هذه التساؤلات بشكل متزايد في عالم الفنون، حيث أن نجاح الذكاء الاصطناعي في مجال الفن يفتح آفاقا جديدة سواء بالنسبة للعاملين في الحقل الفني أو متذوقي الفنون بشكل عام. كما أن هذا الاتجاه يثير جلبة في أسواق الأعمال الفنية.
وفي أكتوبر عام 2018، بيعت لوحة «ادموند دي بيلامي» في دار مزادات كريستي مقابل 432 ألف دولار. وتم إبتكار هذه اللوحة التي تجسد صورة باهتة إلى حد ما لرجل بواسطة مبادرة «أوبفيوس» الفرنسية للأعمال الفنية التي قامت بتغذية جهاز كمبيوتر بـ15 ألف لوحة فنية يرجع تاريخها إلى عدة قرون مضت.
معادلتان خوارزميتان
ويعمل كمبيوتر «أوبفيوس» بواسطة معادلتين خوارزميتين حيث تقوم المعادلة الأولى بتصميم الرسومات اعتمادا على لوحات مخزنة في ذاكرة إلكترونية، فيما تقوم المعادلة الثانية بتقييم الرسومات ورفضها إذا ما رأت أن اللوحة النهائية تبدو كما لو كانت من صنع آلة، وهو ما يساعد المعادلة الأولى على تحسين أدائها. وبهذه الطريقة، خرجت اللوحة «إدموند» وعائلة «بيلامي» بأسرها إلى النور، وهو ما يثير حنق روبي بارات، الفنان ومطور البرمجيات الأمريكي الذي وضع هذه المعادلة الخوارزمية على الإنترنت بحيث يستطيع من يشاء أن يقوم بتحميلها مجانا. أما عائدات بيع اللوحة في دار مزادات كريستي، فقد آلت في نهاية المطاف إلى مبادرة أوبفيوس في باريس.
وفي هولندا، تم ابتكار لوحة «رامبرانت المقبل» في جامعة «ديلفت»، حيث تمت تغذية جهاز كمبيوتر بلوحات الفنان الشهير رامبرانت، بما في ذلك أسلوب استخدامه للفرشاة. واعتمادا على هذه البيانات، أبدع الكمبيوتر لوحة جديدة لرامبرانت من تأليفه عن طريق أسلوب الطباعة المجسمة.
الفكرة الإبداعية
ويدرس الباحث كريستيان باشيل من «معهد همبولت للإنترنت والمجتمع» في برلين «تطور المجتمع الرقمي»، وهو لم يبد إعجابه بلوحتي «بيلامي» أو «رامبرانت المقبل». ويقول باشيل إن «الطريقة التي استخدمت في ابتكار هذه الأعمال مثيرة للاهتمام، وهي منطق ليبرالي تسويقي جديد تماما، ولكن المسألة اللافتة للانتباه هو ما إذا كانت هذه الأعمال
تندرج تحت باب التزييف أم لا، ثم من هو المالك الحقيقي لهذه اللوحات». كما انتقد باشيل غياب الفكرة الإبداعية عن هذه اللوحات حيث يرى أنها لا تنطوي في الحقيقة على أي شيء جديد فعليا. ويتجنب باشيل استخدام تعبير «الذكاء الاصطناعي» لأن هذا المصطلح يثير، على حد قوله، التوقعات بشأن وجود نوع من الاستمرارية بين الانسان والآلة.
ويوضح قائلا إنه لو كانت هذه المحاولات الفنية تعبر فعلا عن هذه الاستمرارية، فهي محاولة لتعهيد العملية الإبداعية من الانسان إلى الآلة.
ويرى الباحث أنه هناك مشكلة «إذا ما استخدمنا مصطلع الذكاء الاصطناعي بمعناه السطحي وأن نقول إن هناك إبداعا اصطناعيا وأن هناك بعض الوعي وراء هذه العملية مما يؤدي إلى ابتكار شيء جديد، وهذا غير صحيح: فحقيقة الأمر أن بعض الفنانين البشر هم الذين ابتدعوا هذه المنظومة ثم يضغطون على مفتاح التشغيل».
وينطوي عالم فنون الذكاء الاصطناعي على وجوه عديدة، فقد حصلت هيل جيته على جائزة في مدينة ميونيخ الألمانية عن دراسة بحثية بعنوان «التشابه الرقمي»حيث ابتكرت تطبيقا إلكترونيا يتم تنزيله على الهواتف الذكية، ويمكنه إدخال إيقونات التعبير عن المشاعر «إيموجي» على لوحات لمشاهد طبيعية، ثم معالجة هذا الانتاج الفني في صورة رقمية وطباعته.
وفي برلين، يعمل الفنان روما ليبسكي بشكل أكثر تعقيدا، حيث قدم بالاشتراك مع زميله فلوريان دومان من المبادرة الفنية «واي كيو بي» شراكة حقيقية بين الرسام والذكاء الاصطناعي. وأكد باشيل أن المعنى المفترض من العلاقة بين الفن والذكاء الاصطناعي يقودنا في الواقع إلى هذه الأسئلة القديمة.
وأزاح ليبسكي النقاب عن الآلة التي يطلق عليه اسم «ميوز» والتي ابتكرت تسع لوحات مختلفة لمناظر طبيعية في كاليفورنيا. ثم قام جهاز الكمبيوتر الخاص بدوميان بوضع لمسات خاصة به على هذه اللوحات. ويمكن مشاهدة الافكار الجديدة التي توصل إليها الكمبيوتر على شبكة الانترنت من خلال رابط يحمل اسم «غير المنتهي»، وهو نفس الفكرة من وراء هذا العمل.
ويرى باشيل أن تطوير الذكاء الاصطناعي هو شكل من أشكال العودة إلى المبادئ الأصلية للفن، ويشرح فكرته قائلا إن «بصمة الذكاء الاصطناعي تضمن تعزيز الطابع الكلاسيكي في المنظومة الفنية»، لأنها تطرح أسئلة من نوعية «ما هو الابداع؟» و»من هو الفنان؟» و»من هو المؤلف».