يوريكو كويكي
يرى أغلب الناس أن قدوم العام الجديد يستحث لحظة من التأمل في ما صادف النجاح وما يحتاج إلى تغيير. بيد أن هذا لا ينطبق على شعب كوريا الشمالية. ففي ذلك البلد الذي يلفه الظلام، لا تمثل "قرارات العام الجديد" ليست حقاً من اختيار المواطنين العاديين. إذ يعتمد ما يحدث لهم كلياً على قائدهم الأعلى كيم جونج أون، وينطوي عادة على جنون العظمة والارتياب المقيت والحرمان.
الواقع أن مواطني كوريا الشمالية يطيقون الكثير مما قد لا يتسنى للغرباء أكثر من مجرد تصوره نظريا. ولنتأمل هنا "السفن الأشباح" الغامضة التي تحملها إلى بحر اليابان كل خريف رياح جنوبية غربية. إنها في واقع الأمر قوارب بسيطة صغيرة (طولها نحو عشرة أمتار)، ومجهزة بما يزيد قليلاً عن معدات صيد الأسماك الأساسية. وبعضها فارغ؛ وبعضها الآخر يحمل جثث موتى مجهولين. وفي الشهر الماضي فقط، عُثِر على ثلاثة عشر قارباً وست وعشرين جثة (أغلبها متحللة بدرجة كبيرة بالفعل). وفي عام 2014، ظَهَر أكثر من ستين قارباً من هذا الصِنف.
كانت بعض القوارب ومحتوياتها تحمل علامات بالخط الكوري الهانغولي. وكان أحدها يحمل علامة مكتوبة بخط اليد تفيد بأنه ينتمي إلى الوحدة 325 من جيش كوريا الشمالية. واحتوى قارب آخر على قطعة قماش بالية ممزقة يبدو أنها كانت ذات يوم جزءاً من علم كوريا الشمالية. وإذا أضفنا إلى كل هذا الحالة الخربة التي كانت عليها القوارب ونقص تجهيزاتها، فإن الاستنتاج بأنها تنتمي إلى كوريا الشمالية يبدو مؤكداً إلى حد كبير.
وما يصعب تمييزه هو الغرض من هذه السفن، ولماذا تبحر بهذه الأعداد الكبيرة إلى شواطئ اليابان ومياهها الإقليمية. فهي تبدو أشبه بسفن الصين وليس السفن الحربية، وإن كان جنود كوريا الشمالية يمتهنون أيضاً مهنة صيد الأسماك في كثير من الأحيان.
وقد تردد على نطاق واسع أن القوارب كانت تحمل منشقين محتملين، خاصة وأنها تشبه قوارب وصل عليها منشقون أحياء إلى اليابان. ويشير تفسير آخر إلى أن القوارب تحمل ببساطة صيادين قرروا تحت الضغط من قِبَل حكومتهم، وسعياً إلى زيادة دخولهم، أن يغامروا بالذهاب إلى عرض البحر. ومن المؤسف أن هذا التفسير معقول للغاية.
الواقع أن حكومة كوريا الشمالية لا تدخر جهداً في محاولة إخفاء العجز الشديد الذي تواجهه البلاد في المواد الغذائية، حتى أنها ذهبت إلى حد الكشف عن منشأة متقدمة لزراعة الخضراوات في الأماكن المغلقة بالقرب من بيونج يانج. ولكن الحقيقة هي أنه لم يطرأ أي تحسن مستديم على الإنتاج الغذائي منذ المجاعة في تسعينيات القرن المنصرم وأوائل القرن الحالي، برغم التسامح بقدر أكبر قليلاً مع الإنتاج الخاص من قِبَل المزارعين.
ورغم أن كيم حدد هدف توفير "الغذاء من أجل الشعب" باعتباره بين ثلاث أولويات أساسية في عام 2015، فإن الاستثمار في هذا الجهد كان ضئيلاً. وحتى استئناف الإمدادات من الأسمدة من قِبَل منظمة خاصة من كوريا الجنوبية لم يكن كافياً لإحداث فارق حقيقي.
ومع تسبب عوامل مثل التربة البور وسوء الظروف المناخية في منع الزراعة، كان من الواضح أن حكومة كوريا الشمالية تشجع عدداً متزايداً من قوارب الصيد على الإبحار لمسافات أبعد في عرض البحر بحثاً عن صيد أكبر. ونظراً لسوء حالة القوارب فليس من المستغرب أن لا يعود كثير منها إلى الديار.
الواقع أن سفن الأشباح ليست المصدر الوحيد للتساؤلات والتكهنات حول كوريا الشمالية. ففي الشهر الماضي فقط، قررت فرقة مورانبونج التي تتألف كلها من فتيات ــ والتي يُقال إن كيم نظمها ويتولى رعايتها بنفسه ــ إلغاء أول أداء علني لها في الصين، والذي كان من المقرر أن يحضره مسؤولون من الحزب الشيوعي الصيني. فبعد وصول الفرقة بالقطار إلى بكين، سرعان ما حُمِل أعضاؤها على متن طائرة عائدة إلى بيونج يانج.
وتكهن بعض المراقبين بأن أغنية تشيد بالبرنامج النووي الكوري الشمالي كانت أكثر من قدرة قادة الصين على التحمل، وخاصة بعد أن أعلن كيم (وربما زورا) أن نظامه فجر قنبلة هيدروجينية. ويعتقد آخرون أن كيم استشاط غضباً بسبب أخبار مفادها أن الرئيس الصيني شي جين بينج وغيره من كبار القادة الصينيين لن يحضروا الحفل الموسيقي. على أية حال، يبدو أن العلاقة مع الصين، التي طالما اعتمدت عليها كوريا الشمالية، أصبحت متوترة على نحو متزايد.
أما عن علاقة اليابان مع كوريا الشمالية، فإن التوقعات تظل بعيدة كل البعد عن كونها وردية. فقد تعثرت المناقشات بشأن اختطاف كوريا الشمالية لمواطنين يابانيين في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين ــ وهو ما يشكل عائقاً رئيسياً يحول دون إقامة علاقات رسمية بين البلدين. وقد أصرت كوريا الشمالية بعناد على خطها الرسمي الذي يزعم أن ثلاثة عشر يابانياً فقط اختطفوا؛ وأن ثمانية منهم ماتوا وخمسة أعيدوا إلى اليابان قبل حتى أن يصلوا إلى بيونج يانج.
وتصر اليابان ــ ولسبب وجيه ــ على أن عدد المختطفين أكبر. ذلك أن المختطفين الخمسة الذين تم تسليمهم عام 2002 كان من بينهم هيتومي سوجا، الذي لم يكن ضمن المختطفين الثلاثة عشر المعترف بهم. وهذا من شأنه أن يخلق انطباعاً بأن كوريا الشمالية ربما لا تزال تحتجز بعض ضحايا الاختطاف لاستخدامهم كأوراق مساومة في المناقشات بشأن التعاون الاقتصادي.
وتواصل اليابان المطالبة بإجراء تحقيق شامل جديد في هذه المسألة، برغم أن كوريا الشمالية لم تكن متعاونة حتى الآن. وأثناء المحادثات الثنائية في ستوكهولم عام 2014، وافق نظام كيم على إجراء تحقيق جديد، في مقابل موافقة اليابان على رفع بعض العقوبات بمجرد بدء التحقيق. ولكن في شهر يوليو/تموز، أخطرت حكومة كوريا الشمالية الحكومة اليابانية عن نيتها تأجيل تقديم نتائج إعادة التحقيق.
ولكن إذا قدمت كوريا الشمالية التقرير في نهاية المطاف متضمناً أسماء بعض المختطفين المتاحين لإرسالهم إلى اليابان، فكيف ينبغي لحكومة رئيس الوزراء شينزو آبي أن ترد؟ إن مثل هذا النوع من التلاعب قد لا يستحق زيارة يقوم بها آبي إلى كوريا الشمالية أو رفع العقوبات.
وهكذا ينتهي عام غريب آخر (وهو ما يجعله عاماً آخر مماثلاً للأعوام السابقة) في تاريخ كوريا الشمالية. ويكمن العامل الوحيد الذي يشير إلى أن عام 2016 قد يكون مختلفاً في تباعد كوريا الشمالية عن الصين. وربما يكون بوسع اليابان أن تغتنم فرصة التوتر في تلك العلاقة لإحراز بعض التقدم في محادثات أخرى، ولنقل بشأن القضية النووية. بيد أن السؤال الرئيسي يظل ما إذا كان كيم قادراً أو راغباً في العمل من أجل المصالح الحقيقية لبلاده، وليس في سبيل تحقيق أوهامه الخيالية.
وزيرة الدفاع ومستشارة الأمن القومي لليابان سابقا.