ناصر اليحمدي
في عام 2015 كانت السلطنة قبلة ثقافية لمثقفي العالمين العربي والإسلامي بعد اختيار مدينة نزوى عاصمة ثقافية إسلامية لهذا العام من قبل المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (ايسيسكو) .. وشهدت المدينة العريقة الكثير من الفعاليات التي امتدت على مدار العام ونشطت الحركة الثقافية بمختلف أنواعها وشارك فيها مثقفون عمانيون وعرب.
السؤال الذي يفرض نفسه هل نجحت نزوى في أداء دورها المنوط بها وفرضت نفسها على الساحة كحاضن للثقافة الإسلامية ؟.
جميعنا نشهد أن المنظمين في وزارة التراث والثقافة لم يألو جهدا من أجل تبييض وجه الاحتفائية فشاهدنا جهدا ملموسا في توزيع اللجان وتنوع الأنشطة وحسن اختيار الضيوف ولاحظنا سقفا واسعا للفعاليات المقدمة التي تنوعت بين إقامة المهرجانات كمهرجان الإنشاد العماني ومهرجان المسرح العماني الذي قدم عروضا أدهشت المشاهدين لبساطة النص والديكور المسرحي والتي أقيمت على مسرح مركز نزوى الثقافي مثل مسرحيات "الصحراء وقمر" و"دمية القدر" و"الزبال" .. ومعارض كمعرض المخطوطات وآخر للمسكوكات .. بالإضافة إلى إقامة الندوات كندوة التواصل الحضاري بين عمان والعالم وغيرها .. إلى جانب تنظيم عدد من المحاضرات والأمسيات والأيام الثقافية خارج السلطنة .. وتخصيص ركن نزوى عاصمة للثقافة الإسلامية في معرض مسقط الدولي للكتاب ولا ننسى افتتاح المركز الثقافي بنزوى واستضافة العديد من المفكرين والأدباء والمثقفين على طوال العام .. إلى جانب استضافة الاجتماع التاسع عشر لوزراء الثقافة بدول العالم الإسلامي الذي عقد تحت شعار "نحو ثقافة وسطية تنموية للنهوض بالمجتمعات الإسلامية" وصدر عنه عدد من التوصيات الهامة التي تعزز تنفيذ الاستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامي .. بالإضافة إلى فعاليات أخرى كثيرة هدفت إلى تسليط الضوء على أبرز معالم المدينة التاريخية والثقافية والتعريف بعلمائها الذين كان لهم دور بارز في رسم الحضارة العمانية والإسلامية.
إلا أن ما يؤخذ على الاحتفائية هو عدم حصول بعض الفعاليات على الدعاية والحضور الإعلامي الكافي للترويج لها .. رغم أن معظم هذه التظاهرات الثقافية ضمت عددا كبيرا من المثقفين والنقاد العمانيين والعرب وتناولت تجارب كثيرة وقيمة ولها ثقلها على المشهد الثقافي إلا أنها للأسف لم تحظ بالدعاية الكافية التي تليق بها وبما تتضمنه من تجارب رائدة وبالزخم المشارك فيها خاصة أن التجارب العمانية الثقافية تميزت بتنوع مشاربها واختلاف تقنية الكتابة فيها فعلى سبيل المثال في مجال الشعر نجد أن هناك من يكتب النص الكلاسيكي العمودي بينما نجد آخر يكتب قصيدة التفعيلة وثالث قصيدة النثر وغير ذلك من التجارب التي جذبت القراء العرب.
عموما يمكن القول إن فعاليات نزوى عاصمة الثقافة الإسلامية 2015 استطاعت أن تكشف عن الكنوز التي تحتويها المدينة العريقة وتبرز الوجه الحضاري والثقافي المشرق للسلطنة ككل .. وسلطت الضوء على إبداعات العمانيين في جميع المجالات قديما وحديثا لتتواصل مسيرة الإنجازات النهضوية التي تبرهن على عبقرية الإنسان العماني في الحفاظ على هويته ومواكبة تطورات العصر في ذات الوقت.
لاشك أننا جميعا نزهو ونفتخر بالجهد الذي بذله القائمون على الفعاليات التي أقيمت بهذه المناسبة العظيمة .. فقد استطاعوا بكل اقتدار أن يسطروا إنجازا جديدا يضاف بأحرف من ذهب في سجل إنجازات العهد الزاهر.
كل التحية للمنظمين لفعاليات نزوى عاصمة الثقافة الإسلامية وندعو الله أن يحفظ لنا تراثنا ويجعله دائما وأبدا فخرا لكل عماني.
* * *
تربية الأبناء حائرة بين الآباء والتكنولوجيا
مازالت التكنولوجيا الحديثة مثار جدل ومحل دراسة من قبل الباحثين والمحللين حول آثارها السلبية والإيجابية على جميع مناحي الحياة .. وآخر تلك الدراسات أشارت إلى تراجع تأثير الوالدين والأسرة في تربية الأبناء وتوجيه سلوكياتهم وتوجهاتهم الفكرية من 70% إلى أقل من 40% بعد انتشار الانترنت ووسائل الإعلام المختلفة وأرجعت الدراسة ذلك إلى "الاختلاف الفكري والثقافي بين جيل الآباء الذي مازال يتمسك بنظريات التربية التقليدية وبين الأبناء الذين يعتبرون أكثر ثقافة وانفتاحا وإطلاعا".
بالتأكيد هذه الدراسة خطيرة ويجب أن يأخذها كل والدين في الاعتبار عند تربيتهما لأولادهما لأنهما لم يعدا القائم الوحيد على تعليم وتوجيه الأبناء فتراجع تأثيرهما على الأبناء لأقل من 40% يعني أن الغلبة لوسائل التكنولوجيا الحديثة وهذا يقتضي تغيير أسلوب التربية حتى يمكن تفهم عقلية الأبناء وتوجيههم التوجيه الصحيح خاصة في ظل ما تتضمنه تلك الوسائل الحديثة من ثقافات مختلفة.
للأسف لقد أوجدت التكنولوجيا الحديثة فجوة كبيرة بين الآباء والأبناء في التفكير والتواصل وحتى التعامل .. حيث إن جهل الكثير من الآباء بكيفية التعامل مع الكمبيوتر والانترنت بإتقان ومهارة في الوقت الذي نرى فيه أبناء في عمر المراهقة يمكنهم اختراق أعتى المواقع الإلكترونية الخاصة وفك شفرتها والعبث بها يوضح مدى البون الشاسع بين تفكير الجيلين وبالتالي أصبح التواصل بينهما يشكل معضلة كبيرة تتطلب الحكمة في التعامل وتطوير الذات للتكيف مع المستجدات الحديثة من قبل الآباء حتى يمكن إيجاد قنوات تواصل وحوار مثمر وبناء بينهم وبين أبنائهم .. فمما لاشك فيه أن أساليب التربية التقليدية والتي تعتمد على إصدار الأوامر وفرض الرأي وانتظار تقديم فروض الطاعة لن تجدي مع الأجيال الجديدة بل يجب أن تسود روح الديمقراطية والتفاهم وسط الجو الأسري.
نحن لا ننكر أن وسائل التواصل الحديثة أكسبت الأبناء مهارات كثيرة وساهمت في تنمية قدراتهم على التفكير المنطقي والإبداعي وأمدتهم بروافد ثقافية متعددة لم تكن متوافرة للأجيال السابقة وساعدت على تنظيم أفكارهم وبلورة رؤاهم تجاه القضايا المختلفة وغير ذلك من الإيجابيات إلا أن هذا لا يخفي أن لها سلبيات عديدة منها على سبيل المثال تعويد الأبناء على الانعزالية لفترات طويلة والوحدة والبعد عن روح الجماعة فيتعود الابن بالتبعية على الأنانية وعدم المشاركة الإيجابية في محيطه الأسري والمدرسي والمجتمعي بصفة عامة .. كما أن المعلومات التي يستقيها الابن ليست دائما محل ثقة ورقابة وسيطرة من الآباء وبالتالي قد تتسبب في انحرافه الأخلاقي والثقافي.
لقد عمدت الدول الأوروبية وأمريكا واليابان إلى تغيير وتطوير مناهجها ونظرياتها المتعلقة بالتربية والتعليم حتى تتناسب مع عقلية الأطفال الحديثة .. فهل نرى هذا التطوير في وطننا العربي قريبا ؟.
إن الأسرة هي نواة أي مجتمع وبصلاحها واستقرارها يصلح ويستقر هذا المجتمع لذلك لابد من توعية الآباء بأهمية استيعاب مقتضيات العصر الحديث وما يتطلبه من تكيف وتعامل خاص حتى تظل الأسرة مستقرة .. فكما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم إن الأب في بيته راع ومسئول عن رعيته والأم في بيتها راعية وهي مسئولة عن رعيتها وهذه المسئولية تتطلب منهما التواصل مع أبنائهما لأن التربية ليست عبارة عن ملابس ومأكل ومشرب كما يراها كثير من الآباء بل هي توجيه ونصح وإرشاد وتنشئة قويمة صحيحة يرضى عنها الله سبحانه وتعالى وينتفع بها الوطن لأن مستقبله مرهون بصلاح الأجيال الجديدة التي يعتمد عليها في بنائه وتطوره وتقدمه ونهضته.
إن التحديات التي تحيط بالأسرة كثيرة ووسائل الاتصال المختلفة ومواقع الانترنت والفضائيات وكافة وسائل التكنولوجيا الحديثة تتحكم في معظمها قوى خارجية تبث معلومات مغلوطة ومضللة تسعى من ورائها لعولمة الأجيال الجديدة وطمس هويتهم وثقافتهم وتعمل على استقطابهم للتطرف تارة وللانحراف الأخلاقي تارة أخرى وللفتنة العرقية والإثنية تارة ثالثة وهكذا .. المهم أن يتفكك مجتمعنا العربي وتتمزق أواصره بتدمير شبابه وأطفاله.. لذلك يجب على الآباء مواجهة التحديات الجسيمة بشيء من العقلانية والمرونة وتوجيه أبنائهم نحو المنظومة الأخلاقية والقيم الدينية المنشودة القويمة وغرس مفهوم المواطنة في نفوسهم حتى يستقيم المجتمع.
* * *
آخر كلام
المصيبة ليست في ظلم الأشرار بل في صمت الأخيار.