قلعة بني حمّاد.. تراثٌ جزائري تتهاوى أحجاره

مزاج الاثنين ٢٨/مارس/٢٠١٦ ٢٣:٣٣ م
قلعة بني حمّاد.. تراثٌ جزائري تتهاوى أحجاره

الجزائر -العمانية

ما زالت قلعة بني حماد بالجزائر من الشواهد التاريخية الماثلة إلى اليوم لتحكي قصصا خالدة ومشرقة من تراثنا الإسلامي المجيد.
وبالرغم من تصنيف القلعة من طرف منظمة اليونسكو سنة 1980 ضمن المواقع المهمّة التي وجب الاهتمام بها، على غرار حيّ القصبة العتيق بالجزائر العاصمة، إلا أنّ قلعة بني حماد تشهد، من يوم إلى آخر، تدهورا في وضعيتها بفعل عاديات الزمن، وأيضا بفعل العوامل البشرية، حيث أصبحت القلعة مقصدا للعائلات التي تتخذ منها أماكن للاستجمام والراحة، وكثيرا ما لا تعبأ هذه العائلات بالحفاظ على القيمة الأثرية لهذه القلعة، الأمر الذي قد يُعجّل بزوال هذا التراث الإنساني المهم.
تُعدُّ قلعة بني حماد عاصمة ثاني دولة تقوم بالمغرب الأوسط (الجزائر) بعد الدولة الرستمية، وتقع على بعد 20 كم شمال مدينة المسيلة، وقد أسّسها حماد بن بلكين بن زيري الصنهاجي البربري، بعد أن استأثر بولاية الجزائر الشرقية في عهد الدولة الصنهاجية عام 1007 م، وقد بُنيت القلعة الحصينة بين عامي 1007 و1008 م على سفح جبل المعاضيد، وسط سلسلة جبلية لتكون صعبة المنال نتيجة مسالكها الوعرة.
ويؤكد المؤرّخون أنّ اختيار هذا المكان ليكون عاصمة للدولة الحمادية لم يكن من باب الصدفة، وإنما تمّ بناء على معطيات استراتيجية شديدة الأهمية، بمفهوم ذلك الزمان، كان أساسُها الأول المُعطى العسكري، حيث عمد حماد بن بلكين، مؤسس الدولة، إلى إقامة عاصمته، قلعة بني حماد، بالقرب من سوق حمزة المشهور بهدف جعل حياة الناس سهلة داخلها، وقد حقّقت هذه المدينة صفة كان من النادر أن تحقّقها المدن في ذلك الوقت، وهي صفة التعايش بين جميع الطوائف والأعراق المختلفة التي وحّدها الدين الإسلاميّ.
وإضافة إلى هذه الميزة، حاول حماد بن بلكين أن يبذل قصارى جهده لجعل قلعته، زيادة على كونها عاصمة لدولته، منارة وقبلة للعلم والعلماء، ليحقق حلمه الأكبر في تشكيل دولة كبيرة تمتدُّ إلى القيروان شرقاً وفاس غرباً، حيث لم يكن بمقدوره أن يؤسّس دولة قوية في مواجهة الدولة العباسية، ما لم يعتمد أساسا على استقطاب العلماء عن طريق مدينة لها مواصفات حواضر ذلك الزمان، وهذا ما تحقّق له فعلا، حيث استقطبت القلعة الكثير من العلماء على غرار العالم اليهودي عبد الرحيم ابن إسحاق ابن المجلون الفاسي، والشاعر العالم أبو الفضل ابن النحوي.
وبحسب العديد من المصادر التاريخية، فإن القلعة شهدت إبان القرن الحادي عشر للميلاد إشعاعا كبيرا على المستويات الثقافية والعلمية والاقتصادية، لكن خلال القرن الثاني عشر، بدأت المدينة تضمحلُّ لفائدة مدينة بجاية، ثم نُهبت وخُرّبت من طرف الموحّدين، وأصبحت لا تُذكر في المصادر بعد نهاية ذلك القرن.
وشهدت هذه العاصمة وقلعتها، التي لم تصمد منها إلا منارة مسجدها وبعض بقايا أعمدة قاعة الصلاة، حركة عمرانية نشيطة، وشُيّدت بها العديد من القصور، منها قصر المنار وقصر الملك وقصر السلام وقصر اللؤلؤة.
وامتدّت رقعة الدولة الحمادية على كلّ من إقليم الجزائر الحالية تقريبا والمغرب الأقصى وتونس، وبقيت قلعة بني حماد عاصمة لها إلى غاية سنة 1062م، حيث شهدت الدولة أوج توسُّعها، ثم قام خامس ملوكها الناصر بن علناس بنقل عاصمتها إلى بجاية التي أصبحت بعدها عاصمته الناصرية، وكان ذلك إيذانا بسقوط قلعة بني حماد مع الزحف الهلالي نتيجة نشوب خلافات بين حكامها عام 1153م.
وقد سجّل الإدريسي، أبو الجغرافيا العربية، شهادته في أحد كتبه حين مرّ بقلعة بني حماد قائلا: "مدينة القلعة من أكبر البلاد قطرًا وأكثرها خلقا وأغزرها خيرا وأوسعها أسوارا وأحسنها قصورا ومساكن، وهي في سند جبل سامي العلو صعب الارتفاع وقد استدار سورها بجميع الجبل ويسمى تيقريصت وأعلى هذا الجبل متّصل بسيط من الأرض".
ولأنّ قلعة بني حماد كانت مركزا للحضارة الحمادية، فإنّ بناياتها كانت أوسع وأكثر تعقيدا من تلك الموجودة في مواقع أركيولوجية مماثلة، ومن بين هذه البنايات نجد القصر الذي كان مشهورا آنذاك والذي يتكوّن من ثلاث بنايات موحّدة ويُعدّ شاهدا على المستوى الرفيع للمهارة الهندسية التي كان يتمتّع بها الصُنّاع، وهي المهارة التي تعلّموها من صفوة التجار الذين عاشوا في الإمارات الحمادية.
وترتسم على حيطان القلعة مجموعة من الأشكال الهندسية التي تختزل ما وصلت إليه روعة العمارة الإسلامية آنذاك، والتي تمازجت فيها العمارة التي كانت سائدة بالشرق الإسلامي، خصوصا في مصر والعراق، وتلك العمارة التي طوّرها الأندلسيون، الذين تفنّنوا في صناعة الأقواس وخط آيات قرآنية على الحجارة.
في سنة 1982، تمّ وضع تصميم من أجل ترميم الموقع من طرف منظمة اليونسكو، وأيضا في سنة 1987، حيث اتّجهت بعثة جزائرية وبولونية لترميم القلعة وإنقاذ ما يُمكن إنقاذه، لكنّ الواقع أثبت أنّ أجزاء كبيرة من القلعة تضرّرت وبشكل كبير، فالمسجد الكبير لم يعد كبيرا كما كان، حيث لم تبق منه إلا المئذنة، التي ما تزال شامخة لحدّ الساعة، والحفريات التي بقيت تقام هنا وهناك من طرف باحثي الآثار والعلماء وطلبة الجامعات، كان جلُّ ما يُعثر عليه ويُستخرج يُوجّه إلى خارج الوطن، فأول حفرية بالقلعة كانت على يد "بول بلانشي" سنة 1987، ثم "لوسيان قولوفان" ما بين 1950 و1960، لكن ما وجده هذا الأخير وُجّه إلى متحف الباردو بباريس، وهذا بسبب غياب الشعور بأهمية هذا التراث الإسلامي في الجزائر.
ولم تحظَ القلعة بأيّ اهتمام يُذكر أو ترميم جدّيّ، عدا بعض المحاولات هنا وهناك سنة 1974، حيث رُمّمت صومعة المسجد الكبير التي تُعدُّ نسخة مطابقة من مسجد إشبيلية.