علي بن راشد المطاعني
=
البعض فسر هيكلة قطاع الطيران في السلطنة تفسيرات غير إيجابية بدون وعي بما يمثله هذا القطاع للبلاد في عالم يشهد تطورات متسارعة تحتاج إلى هيكلة الكثير من القطاعات ولتبدو رشيقة ولتتواكب مع المتغيرات والتطورات الرامية لعولمة الاقتصاد والتركيز في توجيه العمل والنهوض به بانتهاج أساليب أكثر ابتكارا وقدرة على تغيير الطرق النمطية التي أبقت المؤسسات مثقلة بالأعباء ومتخمة بالعاملين.
ولعل هيكلة قطاع الطيران بإنشاء المجموعة العُمانية للطيران واحد من هذه الأهداف التي بدأت تحقق نتائج طيبة في سماوات الطيران الواسعة، وترنو نحو آفاق أعلى تعلو باسم السلطنة إلى خارج نطاقها الجغرافي من خلال أهداف واضحة و مسارات دقيقة تتدرج في إعادة هندسة القطاع في الداخل والتهيئة للمستقبل بكفاءات مواطنة أحبت العمل في هذا المجال وقبلت التحدي في اختراق الصعاب مهما كانت في عالم شرس من المنافسة تحكمه الكثير من قواعد اللعبة، لعل أهمها الإمكانيات الاستثمارية.
إلا أن إصرار المجموعة العُمانية للطيران كان واضحا في تدشين الهوية البصرية للمجموعة وما تحمله من آمال عريضة نحو تغيير وجه هذا القطاع إلى ما نتطلع إليه متخذة من رحابة وبشاشة المواطن العُماني وجها مشرقا في الضيافة ومن الموقــــع الجغرافي مجالا رحبا للتوسع ونقطة للانطلاقة إلى واجهات اكثر ومحطة لارتكاز خطوط الطيران الأخرى.
ومن منظومة الأمن والاستقرار والسلام التي أرسى دعائمها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله – أفقا نحو التطلع إلى الأفضل لهذا الوطن وأبنائه، إذ عبر ذلك تفتح الشعوب قلوبها لنا قبل مجالها الجوي، وتبتهج انفس الآخرين وتنشرح أفئدتهم للتعامل معنا ومرحبين بكل ما يمت لهذه الأرض الطيبة وأبنائها.
فهذا الإرث الحضاري كان المشعل الذي أوقد الحماس في نفوس هذه المجموعة لكي تترجمه على أرض الواقع بمبادرات خلاقة تعيد لهذا الوطن صيته في التواصل الحضاري مع الأمم والشعوب، وتجعل من الطيران بكل تفاصيله وخدماته قطاعا اقتصاديا واعدا ومحركا للنشاطات الاقتصادية الأخرى ومستوعبا للأجيال الناهضة، وقبل هذا وذاك مشرفا لهذا الوطن وأبنائه في بناء منظومة طيران متكاملة تتباهى بها الأجيال جيلا بعد جيل وتفتخر بأن لديها طيران مشرف كغيرها من الشعوب.
إلا أن ذلك لا يتأتى إلا من خلال فهم عميق وواع لماهية الطيران كقطاع اقتصادي واعد و كأحد أذرع الاستثمار سواء بشقيه المباشر عبر تعزيز حركة الطيران أو من خلال إضفاء القيمة المضافة العالية للقطاعات الاقتصادية في البلاد، من خلال توفير المعينات التي تسهم في تمكينه من أن يأخذ دوره بكل السبل الهادفة لبنائه كقطاع استثماري له مرود عال لا يمكن حصره في النتائج المالية المحدودة فقط ، ولا في أدواته الضيقة، ولكن بإسهاماته في الناتج المحلي الإجمالي وفي رفد القطاع السياحي.
ومع ذلك بدأ يضع الخطوات الهادفة إلى تحقيق نتائج طيبة من خلال فصل الاختصاصات وهيكلة مجالات الأعمال الفنية والتجارية والمناولة والخدمات الأرضية وغيرها من أعمال، ولكن مع الإرادة في التغيير والعزيمة في البناء من جديد وضخ دماء جديدة في شرايين هذا القطاع، فمن الطبيعي أن تتغير ملامحه نحو ما نتطلع إليه مع مرور الوقت.
لعل الإستراتيجية التي وضعت للطيران و تطويره ورؤية المجموعة وقيمها التي تعمل في الأرض أكثر من الورق بدأت تتضح نتائجها في تحقيق نجاحات لا يمكن إغفالها أو تجاهلها من كل ذي لب وبصيرة، وجاءت بحمد الله بتكاتف الجميع وتعاضد الجهات الحكومية في النهوض بهذا القطاع وإعطاء الثقة لنخبة من الشباب في إدارة دفة العمل بكفاءة عالية، مستبشرين خيرا بحقيقة أن العائد على الاستثمار المباشر وغير المباشر سوف يكون مجزيا خاصة وأن المجموعة وضعت لنفسها محددات ومؤشرات وحوكمة ألزمت نفسها بتحقيقها بدون إملاء من أحد، فقط ارتهنت لضمائرها الحية لخدمة الوطن والقطاع ووضعه في مصاف القطاعات الاقتصادية في البلاد، فهذه الروح الوثابة من إخواننا يجب أن نسدي لها الدعم المعنوي والمادي.
بالطبع التحديات ستكون ماثلة أمام هذه المجموعة من كافة الجوانب وهذا أمر طبيعي في قطاعات تتعامل مع أطراف أخرى وتعمل عل صناعة قطاع متكامل وبإمكانيات يمكن وصفها بالمحدودة، ولكن وعبر آمال كبيرة وطموحات أكبر في تجاوز كل الصعاب وتحويلها إلى فرص في عالم الطيران يمكننا أن نمضي بسرعة في فضاءات لا حدود لها متحدثين باسم هذا الوطن، وكأكبر استثمار أو أكبر عائد نجنيه أو نعول عليه.
نأمل أن تكلل هذه الجهود بالنجاح والتوفيق فيما يخدم هذا الوطن ويعيد أمجاده في التواصل الحضاري مع الأمم والشعوب وبناء قطاع طيران يفخر به الجميع ويعكس طموحاته وآمــــــاله، وذلك ليس بالأمر الصعب ما بقيت العزائم قوية والإرادات صلبة ومتماسكة وتماما كما قال المتنبي العظيم: على قدر أهل العزم تأتي العزائم.