«هوفيل» بحريني يعشق الجرافيتي

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٥/فبراير/٢٠١٩ ٠٣:٤٢ ص
«هوفيل» بحريني يعشق الجرافيتي

باميلا كسرواني

من المفارقة أن حب محمود الشرقاوي المعروف بـ «هوفيل» (مختصر لكلمتي إنسانية وشر بالإنجليزية) لفن الشارع بدأ من على جدران غرفة نومه! فيخبرنا أنه اكتشف الرسم عن عمر مبكرة إذ إنه، منذ الصغر، كان يهتم بمشاهدة الرسوم المتحركة ومحاولة رسمها على دفتر ما زال يحتفظ به حتى الآن. ويتابع «في أحد الأيام عام 2007، كنت أرسم في غرفتي ونفذ مني الورق، فقررت أن أرسم على الجدران. وعندما زارني أحد أصدقائي من بريطانيا وسألني «لماذا لا تركّز على الجرافيتي؟ تفاجأت لأنني كنت أجهل معنى هذه الكلمة».

وهكذا بدأت مغامرة «هوفيل» في البحث مفصّلاً عما يتضمّنه الجرافيتي أو الكتابة على الجدران. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الجرافيتي هو رسومات على الجدران غالباً ما تُمارس من دون موافقة صاحبها وترجع أصولها للحضارات العتيقة، أيام الحضارة الفرعونية والإغريقية والرومانية لكن الجرافيتي الحديث كما نعرفه اليوم، نشأ في الستينيات من القرن الفائت في نيويورك بإلهام من موسيقى الهيب هوب. وغالباً ما يلجأ إليه الفنانون لإيصال رسائل سياسية واجتماعية، وكشكل من أشكال الدعاية.

لم يفكّر مليّاً محمود بكل هذه المعطيات عندما اهتمّ بالجرافيتي لا بل خطوته الأولى كانت السفر إلى دبي وشراء البخاخات واستئناف الرسم كهواية. فمحمود الشرقاوي البالغ من العمر اليوم 30 سنة درس الهندسة ويعمل حالياً في مجال الطيران المدني. ويطلعنا «لقد فضّلت فن الشارع على بقية الفنون لأنه متوفر للجميع كي يراه. أشعر أن الناس متوتّرون. ولذلك، أحاول، من خلال رسوماتي، التخفيف عنهم»، مضيفاً أنّه فضّل الفن المتمرد والمُفعم بطاقة إيجابية على الفن التقليدي كما أنه فضّل حكم الناس على نقد الخبراء.
وهكذا انتقل هوفيل إلى شوارع المنامة، حيث يخبرنا أنه حتى العام 2012 كان يقوم برسومات بشكل غير قانوني مستثنياً الأملاك الخاصة. ويشرح لنا «كنت أختار صناديق الكهرباء أو الجدران المهدّمة أو التي كُتب عليها الشتائم أو الانتقادات لأحوّلها إلى رسومات جميلة. ولكن، بداية 2012، بدأت أنفّذ مشاريع بشكل قانوني مثل الرسم على جدران مراكز مهمة في المنامة أو على جدران أبنية حي العدلية المشهور بفن الشارع».
ماذا يرسم هوفيل على الجدران؟ يجيبنا «أحب أن أستخدم هويتي. ولذلك، ألجأ دائماً إلى الخط العربي. بالطبع، بات لي أسلوبي الخاص الذي يجمع دائماً التقاليد». وليس اختيار هوفيل للخط العربي اعتباطيا لاسيما أنه لا يريد أن يتّهمه أحد بأنه جلب هذا الأسلوب من الغرب، مضيفاً «الفكرة جاءت من الغرب لكنني حوّلتها بفضل استخدام تقاليد بلدي وثقافتي الخاصة لكي تمثّلني».
ويتميّز أسلوب هوفيل بأنه يلجأ إلى صورة المرأة وغالباً ما يستخدم القناع التقليدي لها. ويشرح لنا: أحاول تغيير فكرة القناع لأن الكثير من الناس يعتقدون أن القناع مرتبط بالدين، لكنهم مخطئون. في الماضي، كان أيقونة الجمال ووُجد قبل الأفكار الدينية». كما أن هوفيل يركّز على الألوان التي يستخدمها وهي باهرة ومرحة لاسيما أن الهدف من رسوماته «هو نشر الطاقة الإيجابية عبر الجدران وتخفيف الضغط على الناس».
ولأنه يريد نشر الطاقة الإيجابية، يبتعد هوفيل عن أي رسومات سياسية أو دينية أو مؤذية لكنه، يحب، من الحين والآخر، أن يعود إلى الرسومات غير الشرعية ليُضفي بعض الجمال على جدار أو علبة كهرباء. ويقول: «أبحث عن جمال المكان الذي أرسم فيه أو عن الأشياء المفقودة فيه لأن الجدران كلّها مملة، والألوان قبيحة. لاحظت أننا، في الشرق الأوسط، وكأننا لا نعرف إلا لونين، البيج والأبيض». ويتابع «أحاول كسر هذا النمط قدر المستطاع، وأن أترك ذكرى حتى لو أنني أعلم أن رسماتي ستختفي تحت طلاء جديد أو يدمّرها الأولاد».
على الرغم من أن الناس والهيئات الرسمية، لم ترحّب أولاً بهوفيل أو أي من زملائه، إلا أن حركة فن الشارع بدأت تنطلق في المنامة حيث بدأنا نسمع عن عدد من فناني الشارع البحرينيين. من جهته، هوفيل فتح متجراً لبيع بخاخات الألوان كما أنه يحاول أن يعلّم جيلاً جديداً من رسامي الجرافيتي في ورش العمل التي ينظّمها.
حتى لو أن فن الجرافيتي بدأ لنشر رسائل وانتقادات سياسية أو اجتماعية أو غيرها، إلا أنه تحوّل في الكثير من الأحيان إلى وسيلة لنشر الجمال والطاقة الإيجابية وإضفاء بعض الحياة على جدران مملة كما هي الحال في البحرين.
وننهي حديثنا مع هوفيل مع نصائح خصّها لأي شابة أو شاب عربي يريد أن يخوض عالم الجرافيتي. فيقول «القاعدة الأولى، لا تنسخوا عمل أي فنان آخر. أما القاعدة الثانية، حاولوا أن تتوصّلوا إلى أسلوب خاص بكم يعكس هويتكم ولا تستسلموا باكراً لأنكم لا تعرفون استعمال البخاخات مثلاً». ويتابع «ما زال الجدار الأول الذي رسمت عليه موجوداً. أذهب أحياناً لتفقّده لأرى كيف كان عملي قبيحاً ويكف تطوّر مع الوقت».

متخصصة في الثقافة والموضوعات الاجتماعية والمبادرات