مسقط- خالد عرابي
استاذة جامعية متميزة، لها باع طويل في الهندسة وخاصة الصناعية والميكانيكية، وبجانب كونها استاذة ومحاضرة تميزت ببحوثها العلمية الفريدة والمفيدة ليس للمجتمع العماني فحسب بل للدول والمجتمعات الأخرى، لذلك فاز لها العديد من البحوث بجوائز عالمية.. حاورتها مرات عدة وفي كل مرة تكون فائزة بجائزة عن بحث جديد، وقد فازت مؤخرا بجائزة قطر للاستدامة في فرع «البحوث الخضراء» وذلك عن بحثها المستدام بشأن «إعادة استخدام مخلفات حفر آبار النفط في أنشطة صناعية أخرى مثل صناعة الأسمنت: صناعة أسمنت قابل للاستدامة وأقل ضرراً على البيئة» وكرمت في الاحتفالية التي أقيمت بالعاصمة القطرية الدوحة مؤخرا.. إنها الاستاذة الدكتورة صباح بنت أحمد عبدالوهاب السليمانية، الاستاذة بقسم الميكانيكية والصناعية بكلية الهندسة جامعة السلطان قابوس.. حاورتها «7 أيام» حول هذا الفوز والبحث الفائز.. فماذا قالت؟
في البداية سألتها عن توقعها للفوز وماذا يعني الفوز بجائزة ما للاستاذ الجامعي فقالت: بالنسبة لنا كاساتذة جامعيين يكون هدفنا من إجراء البحوث هو البحث العلمي الجاد، ومحاولة دراسة الظواهر المختلفة المرتبطة كل في مجال تخصصه، وأعتقد أنه بالنسبة لي كاساتذة جامعية لا تكون عيني على الفوز أو عدمه بقدر ما تكون متعلقة بالوصول إلى نتائج علمية تخدم مجتمع ووطني عمان أو تكون الفائدة أعم وتخدم مجتمعات أخرى على مستوى العالم.. أما الفوز بجائزة ما أو فوز بحث فهو يعني جانب إيجابي وهو أهمية نتائج هذا البحث وتقدير جهة ما أو جهات له وهذا بالطبع يسعدنا لأنه بالنهاية نجاح للبحث وهذا هو الأهم.
الاهتمام بالبيئة
وأكدت د. صباح: أهم ما يميز هذا البحث وفوزه أنه بحث مرتبط بالاستدامة والبحوث الخضراء، وهذا يمثل أهمية كبرى ليس للسلطنة فحسب بل للعالم، فالاهتمام بالبيئة والحفاظ عليها من مصادر التلوث المختلفة هو الهدف العالمي الآن، وكوني أسهم بمثل هذا البحث الذي سيحد من أضرار بعض المخلفات الضارة على البيئة هو الفوز والشرف الأكبر بالنسبة لي.
وعن خلاصة هذا البحث الفائز وما توصل إليه قالت السليمانية: قمت خلال هذا البحث بدراسة استخدام المخلفات المصاحبة لعمليات حفر آبار النفط في أنشطة صناعية أخرى مثل صناعة الأسمنت. وهو بحث ممول من قبل مجلس البحث العلمي، وقد تعاونت فيه مع شركة «أسمنت عُمان»- فهذه المخلفات تعد نواتج ثانوية تنتج بكميات كبيرة مع عمليات الحفر ولا يتم -في الوقت الراهن- الاستفادة منها ويتم تخزينها في مواقع تصريف خاصة، وتظل دون أي معالجة أو استفادة منها. ومن ثم كان تفكيري في البحث عن سبل للاستفادة منها، وكيف يجب تصميم مواقع التصريف بمواصفات خاصة جدا؛ وذلك للحيلولة دون تسرب النفط من هذه المخلفات ووصوله إلى باطن الأرض ومن ثم تلوث التربة والمياه الجوفية، علما أن عملية التخلص من هذه المخلفات تكون صعبة ومكلفة جداً؛ وذلك لأنها تحتاج إلى الكثير من المساحات لتخزينها، كما أنه من الممكن أن تتسبب هذه المخلفات في حدوث عدد من المشاكل البيئية الخطيرة عند تسربها.
وفي هذا البحث، وللحد من خطر هذه المخلفات، والتقليل من كمياتها المرسلة للتخزين فإنه ستتم إعادة استخدامها وتدويرها في الأنشطة المتعلقة بصناعة الأسمنت. وهذا النهج في إعادة تدوير هذه المخلفات يعد نهجا قابلا للاستدامة من أجل إدارة هذه المخلفات وتقليل كمياتها المرسلة للتخزين. ولكن من جانب آخر، تعد هذه المخلفات مادة مفيدة ومناسبة لصناعة الأسمنت؛ وذلك لأن هذه المخلفات تحتوي على الأكاسيد الأساسية المطلوبة في صناعة الأسمنت؛ إذ إنها غنية بأكسيد الكالسيوم مع مادة السليكا، لذلك فمن الناحية النظرية فإن مخلفات الحفر يمكن استخدامها كبدائل مناسبة من أجل انتاج كلنكر الأسمنت -والكلنكر هو المنتج قبل النهائي للأسمنت- كما أن مخلفات الحفر تعد مصدرا مباشرا لأكسيد الكالسيوم؛ لذلك استخدامها سيقلل من كميات مادة الحجر الجيري (كربونات الكالسيوم) المستخدمة حاليا في صناعة الأسمنت كمصدر رئيسي للحصول على مادة أكسيد الكالسيوم. وفي الوقت الراهن يستخدم في صناعة الأسمنت الحجر الجيري الذي عندما يتحلل عند درجات الحرارة المرتفعة يعطي لنا احتياجاتنا من أكسيد الكالسيوم، ولكن ينتج معه كذلك انبعاثات من غاز ثاني أكسيد الكربون غير المرغوب بها والمسؤولة عن مشكلة التغير المناخي، إذن فاستخدام هذه المخلفات المحتوية بالأساس على مادة أكسيد الكالسيوم سيقلل من كميات الحجر الجيري المستخدمة في صناعة الأسمنت، وفي الوقت نفسه سيساعد في الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة من التحلل الحراري للحجر الجيري. ومن المعروف أن صناعة الأسمنت تستهلك كميات كبيرة من مادة الحجر الجيري التي نحصل عليها من الموارد الطبيعية، واستخدام مخلفات الحفر في صناعة الأسمنت سيحل محل جزء من المواد الخام التي نستخدمها في تصنيع الأسمنت، وهذا بدوره سيكون له تأثير كبير في المحافظة على الموارد الطبيعية مثل مادة الحجر الجيري.
شريكة الرجل
وبسؤالها عن المرأة العمانية كاستاذة جامعية وباحثة وتحقيقها مثل هذه النجاحات العالمية وكيف ترى ذلك قالت د.صباح السليمانية: لقد حققت المرأة العمانية الكثير من النجاحات المتتالية والإنجازات المثمرةـ ليس في مجال البحث العلمي فحسب بل في كافة المجالات، وما وصلت إليه المرأة العمانية اليوم من مكانة رفيعة وما حققته من نجاحات في شتى الميادين جاء بفضل هذا الدعم والتكاتف المجتمعي. إلا أنها مازالت في سباق حميد ومستمر لتحقيق غيرها من النجاحات، وأرى أن ما وصلت إليه العمانية ما كان ليتحقق لولا ما نالته من رعاية أبوية من مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- وذلك منذ فترة مبكرة.
وأردفت السليمانية قائلة: إنني أنظر اليوم لأرى أن المرأة العمانية أصبحت تطرق المجالات التي كانت شبه محظورة عليها والتي كانت تقتصر على الرجل فقط، فأصبحت شريكة الرجل في العمل ومتفوقة تماما مثله في إنجاز مهامها مما أوجد مناخا تنافسيا شريفا، وفرصا متساوية ما بين نصفي المجتمع.. فعمان أعطت المرأة العمانية الكثير والكثير، والدليل على ذلك أن عمان تحتل دائما المراتب الأولى من بين الدول العربية في احترام المرأة وحفظ حقوقها، وهكذا تحاول عمان أن تضمن للمرأة المناخ المناسب للعمل الجاد، كما أن المرأة العمانية بدورها حريصة على تنظيم وقتها ولا تنس رسالتها أبدا وهي جديرة بالمسؤولية الملقاة على عاتقها ولا تغفل عن خدمة بلدها بكل إخلاص وحب.
رؤيتها للمرأة
وعن رؤيتها للمرأة العمانية كاستاذة جامعية قالت السليمانية: أرى أنها تلك المرأة التي تبدأ طالبة فمعيدة بالكلية وتجتهد حتى تصل إلى درجة استاذة بجهد جبار، فتترك عائلتها وتسافر بكل شموخ وبكل عزة وثقة إلى بلاد الغربة لترجع إلى وطنها الحبيب عمان وكلها طاقة تحمل شهادة الدكتوراة كي تفيد طلبتها بالعلم الذي تسلحت به مع تقديم الأفضل من أجل الارتقاء بالعملية التربوية، وإيجاد فكر يقوده الإبداع والتميز. ولا تقف عند هذا الحد بل تنافس الرجال من زملائها للحصول على التمويل من المكرمة السامية أو من مجلس البحث العلمي في مجالها لتكون مواكبة لما هو جديد ولإبراز مكانة المرأة العمانية العالمة، كما تقوم بالاستثمار في العقول البشرية الذين هم جيل المستقبل وتشجعهم على الاجتهاد والالتحام. إن المرأة العمانية لا تعرف المستحيل وطموحاتها ليس لها حدود وتحاول إثبات جدارتها مع جديتها في الأعمال التي توكل إليها. لقد أصبحت بصماتها مطبوعة في كل ميدان تدخله وساهمت بهمتها في إيجاد تغيير إيجابي في المجتمع ودفع الدفة بعزيمة وإصرار لبناء المجتمع العماني بصورة أفضل.