علي بن راشد المطاعني
قبل عام تقريبًا كتبت مقالًا بعنوان (تبيع الماي في حارة السقايين) عن مهرجان التمور بولاية نزوى بمحافظة الداخلية، وذكرت فيه أن إقامة مهرجان للتمور في نزوى فكرة غير جيدة على اعتبار أنها أي نزوى ومحافظة الداخلية تعد مخزنًا للتمور وأفضلها مع بقية المحافظات الجافة التي تزدهر فيها زراعة التمور في السلطنة، ولا يمكن أن تنجح إقامة معرض أو مهرجان للتمور في هذه المحافظات، وإنما هذه المهرجانات يمكن أن تنجح بمحافظات مثل مسقط وظفار لعدة اعتبارات منها سكانية وتجارية ومنها مناخية لقلة زراعة التمور في هذه المحافظات وولع أبناء هذه المحافظات والمقيمين فيها بالتمور، وربما استجابت وزارة الزراعة والثروة السمكية للفكرة أو ارتأت أن تجرب إقامته في محافظة مسقط وبمنطقة الوزارات بالخوير أفضل، ومن أول يوم كان هناك إقبال كبير وبشكل يتلاءم مع أهميته ودوره في ترسيخ صناعة التمور والارتقاء بها إلى ما نتطلع إليه من استثمار فاعل للنخلة ومشتقاتها، لدرجة أن أحد العارضين عبّر عن ذلك قائلًا: إن مبيعاته في يوم واحد في معرض مسقط المقام في هذه الفترة أفضل من مبيعات خمسة أيام بذات المهرجان في ولاية نزوى، كدلالة على أهمية اختيار المكان الملائم لتسويق التمور، فهذا الإقبال يدفعنا إلى اقتراح إنشاء سوق للتمور بمسقط ليحقق العديد من المكاسب التي ترتقي بالنخلة وتشجع على الاهتمام بها.
ومما يثلج الصدر أن نرى مهرجان التمور في مكانه الصحيح لإعطاء دفعة قوية لهذه الصناعة وأصحابها الذين يبذلون جهودا كبيرة في المضي قدما في امتهان هذه المهنة والسعي المضني لتطويرها ومكابدة كل التحديات التي تواجههم.
إن مهرجان التمور ليس معرضا تصطف فيه أنواع التمور من محافظات السلطنة، وليس مهرجانا للمحلات التي تسعى لعرض منتجاتها، ولا للأعمال المنزلية التي تصنع من منتجات التمور، وإنما هو بمثابة محطة سياحية بالغة الأهمية يتوقف عندها وفيها الزوار والسياح لتفقد جانب مشرق وعريق من ثقافتنا العُمانية ومن أمهات المهن التي عرفت على هذه الأرض من غابر الأزمان وارتبطت بالإنسان العُماني مع مهنة الصيد، وبالتالي فإن هذه المعارض وتلك الأسواق التي نطالب بإقامتها ستعيد الاعتبار للنخلة وللتمور وفقا لهذه المعطيات بالغة الأهمية وغيرها، فلم نشاهد مواطنين فقط في مهرجان التمور، وإنما هناك أعداد من المقيمين والسياح يتعرفون على أنواع التمور وشراء منتجاتها.
فهناك الكثير من الدواعي تفرض تطوير مهرجان التمور بمسقط إلى سوق تضع وزارة الزراعة والثروة السمكية وغيرها من الجهات ذات العلاقة ثقلها فيه، وليغدو محط أنظار الجميع وفيه يرتبط الماضي بالحاضر وبنحو فريد ومميز ويضفي قيمة عالية ويعرّف بالنخلة ومشتقاتها.
ومن المكاسب المرتجاة من سوق التمور بمسقط أن يكون مزارا للطلبة والطالبات وذلك يتيح لهم الاقتراب من النخلة لحد التلامس بل وتسلقها الافتراضي ليقفوا على أسرارها المكتنزة في كل جزء منها، ومعرفة تفاصيل الصناعات المتفرعة منها تراثيا، ومن ثم نصل للنقطة الجوهرية وهي غرس حب النخلة في نفوس فلذات الأكباد منذ نعومة أظافرهم.
بالطبع الجهود المبذولة لاحتضان ما يربو على 70 عارضا في مهرجان التمور في خيمة أشبه بالقلعة تزدان بها منطقة الوزارات ويستبشر الناس بهذه المبادرة النوعية تحتاج إلى مضاعفة الجهود التسويقية لإنجاح المهرجان بشكل أكبر، ولكي يستفيد إخواننا المزارعون والعارضون من هذه الفعالية لمضاعفة ارتباطاتهم بالنخلة وتصنيع التمور، فهؤلاء يشكرون على امتهانهم هذه المهنة الأصيلة وتعزيز ارتباطهم بالنخلة.
نأمل أن يكلل مهرجان التمور بالنجاح ويشهد إقبالا أكبر يعوض المزارعين والعارضين تعبهم وجهدهم في مصارعة التحديات، وأن يكون المهرجان واعدا وسوقا مهما للتمور فالنخلة تحتاج منا كل التكريم والإعزاز وهذا أقل ما تستحقه، تتويجا للاهتمام الذي يوليه حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- للنخلة من خلال توجيه جلالته زراعة مليون نخلة والذي بدأ يؤتي ثماره وسيضاعف من الإنتاج وإقامة صناعات أخرى.. وهو ما يتطلب أسواقا للتمور لاستيعاب ذلك وغيره من المكاسب.