معركة الإجهاض

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٣٠/سبتمبر/٢٠١٨ ٠٤:٢١ ص

فرانسواز جيرارد

توفيت في الشهر الفائت في بوينس آيرس، إليزابيث، وهي سيدة تبلغ من العمر 34 سنة وأم لطفلين، بعد إدخالها للبقدونس في عنق رحمها، في محاولة يائسة لإجهاض جنينها. وقبل هذا بأيام، رفض المجلس الأعلى للأرجنتين التشريع الذي كان سيُشَرِّع الإجهاض خلال الأسابيع الـ14 الأولى من الحمل، دون استثناءات. ولو صدرت الموافقة على هذا القانون، لكانت إليزابيث حية اليوم. وبدل ذلك، أصبحت رقما يبعث بالتشاؤم: إنها واحدة من بين أكثر من 40 امرأة أرجنتينية اللواتي سيتعرضن للموت هذا العام بسبب عمليات الإجهاض العشوائية

وفي 28 سبتمبر، سيخلد النشطاء حول العالم اليوم العالمي للإجهاض الآمن، وسيشكل ذلك فرصة للتعبير عن حزنهم اتجاه النساء اللواتي فارقن الحياة بسبب قوانين مكافحة الإجهاض الجائرة. لكن هذا اليوم يهدف أيضا إلى نشر رسالة نيابة عن إليزابيث، ونساء أخريات تعرضن لمثل ما تعرضت له هذه المرأة: إن الإجهاض، الذي أضحى قضية سياسية أحدثت انقسامات في الآراء، هو ببساطة شر لابد منه. لاسيما في البلدان التي يمكن ان يحدث فيها الحمل بعيدا عن مؤسسة الزواج.

وكل عام، تُجهض 25% من جميع حالات الحمل- أي ما يقارب 56 مليون حالة. ويحدث الإجهاض في كل بلد. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، 61% من النساء اللواتي يرغبن بالإجهاض في العشرينيات من عمرهن، و59% لديهن أبناء بالفعل، وثلثين تقريبا تنتمين إلى ديانة منظمة. لكن الإجهاض منتشر بشكل أكثر في الدول النامية، حيث الاستفادة من خدمات تنظيم الأسرة محدودة. وفي الواقع، تقع 88% من حالات الإجهاض على مستوى العالم، وهو معدل صادم، في الجنوب العالمي.
إن الإجهاض عملية آمنة حينما تكون مقيدة بالقوانين. فقط 55% من جميع عمليات الإجهاض القانونية وفقا لتشريعات الدول التي تنفذ كل سنة آمنة، وتؤدي المضاعفات الناتجة عن العمليات الخطيرة- وهي غالبا ما تكون الخيار الوحيد أمام النساء اللواتي يعشن في أماكن تعتبر فيها الطرق الفعالة للإجهاض جريمة- إلى ما يقارب سبعة مليون حالة تتطلب العلاج و47000 حالة وفاة بين النساء سنوياً.
لقد بدأت معركة الكفاح من أجل إجهاض آمن منذ قرون. وبالإضافة إلى طرقه المتعددة، كان الإجهاض أمرا طبيعيا- وممارسة مقبولة في أغلب الأحيان قديما في الصين ومصر واليونان وروما. ولم يُروَّج للقوانين المكافحة للإجهاض إلا في القرن التاسع عشر من طرف النخبة الكاثوليكية والاستعمارية، بهدف التحكم في جنسانية المرأة وجسدها وحياتها.
إلا أنه خلافا لما هو شائع، فالتجريم لا يحد من عدد حالات الإجهاض؛ بل يجعل عملية الإجهاض أكثر خطورة. إذ صُنفت أمريكا اللاتينية وجزر الكاريبي، اللتان تمنعان الإجهاض أو تضعان عليه قيودا، من بين الدول التي تعرف أعلى معدلات حالات الإجهاض ومضاعفاته. وفي المقابل، تعرف أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية، اللتان تعتبران الإجهاض عملية قانونية، وتوفرها على نطاق واسع، انخفاضا نسبيا في معدلات الإجهاض وارتفاعا في السلامة.
وعلاوة على هذا، عندما تسقط الصفة الجنائية عن الإجهاض، ينخفض معدل الوفيات وتختفي الجروح التي تصاب بها الأم في ليلة واحدة. فعلى سبيل المثال، بعد عام من إسقاط رومانيا للصفة الجنائية عن الإجهاض في عام 1990، انخفض عدد وفيات الأمهات إلى النصف، بينما انخفض في جنوب أفريقيا بنسبة 91 %خلال السنوات الأربع الأولى بعد الموافقة على قانون اختيار وضع حد للحمل لعام 1996. بمعنى آخر، ليس هناك أي سبب طبي يبرر ضرورة مخاطرة المرأة بحياتها لوضع حد لحمل غير مرغوب فيه.
وشجعت هذه الإحصائيات النشطاء الحقوقيين عبر العالم على المطالبة بتغيير قوانين الإجهاض الوطنية. ومنذ عام 2000، أزال ما يزيد عن 30 دولة القيود عن أسلوب تعاملها مع هذه القضية. ففي مايو، ألغى الناخبون في إيرلندا برنامج الإجهاض المعتمدة في البلد، وكان ذلك بمثابة انتصار في مجتمع متأثر بعمق بمعتقداته الكاثوليكية. وحتى في الأرجنتين، لازالت الآمال كبيرة. حيث أظهرت صناديق الاقتراع تأييدا قويا لحقوق الإجهاض، والقانون الذي كان سينقذ حياة إليزابث أحبطته سبعة أصوات فقط.
ومع هذا، فالمعركة لم تنته بعد. إذ تشهد عمليات البحث عن ميزوبروستول عبر الإنترنت، وهو دواء تستعمله النساء للقيام بعملية الإجهاض بطريقة آمنة، ارتفاعا سريعا. وفي جنوب أفريقيا، 5% فقط من المصحات العامة والمستشفيات تقوم بعمليات الإجهاض، وثلث عدد النساء لا يعلم بعد أن الإجهاض قانوني. وفي الولايات المتحد الأمريكية، يستعد النشطاء للحد من الحرية التناسلية إذا تم اختيار مرشح المحكمة العليا بريت كفانو.

وأكثر المعارضين لحقوق الإجهاض شراسة هي الكنيسة الكاثوليكية وغيرها من القوى المحافظة. وتؤثر هذه المعارضة على النساء ونظام الرعاية الصحية في بلدانهن بشكل مباشر. واكتشفت دراسة أنجزتها المنظمة التي أترأسها، وهي التحالف الدولي لصحة المرأة، أن في أزيد من 70 سلطة قضائية في العالم- بما في ذلك 45 ولاية أمريكية – يمكن للمستشفيات أن ترفض القيام بعملية إجهاض للزبونات فقط بناء على الاعتقادات الشخصية للأطباء.

إن هذه القيود ليست معقولة. فالإجهاض جزء من حياة المرأة إذا ما علمنا أن هذه البلدان يمكن أن يحدث فيها الاتصال الجنسي بين الطرفين بعيدا عن الزواج ويعد أمراً مألوفاً في العلاقات الاجتماعية لأفراد تلك المجتمعات. لقد حان الوقت أن تستمع الحكومات للملايين من النساء اللواتي يطالبن بعدالة تناسلية واستقلالية جسدية. يجب على القوانين أن تعترف بحق المرأة في الرعاية التناسلية، وأن تضمن لها هذا الحق. ويجب أن يكون سعر الخدمات الصحية -في تلك الدول-في المتناول وأن تُوفَّر الأدوية. وينبغي على النساء بغض النظر عن أعمارهن وعرقهن وتوجهاتهن الجنسية وديانتهن- الحصول على خدمات الإجهاض الآمنة طبيا والمتوافقة مع القوانين والشرائع الدينية حسب مرحلة الحمل.

لم تعطى لإليزابيث هذه الفرص أبدا. شأنها في ذلك شأن العديد من النساء في العالم. وإن لم يتغير هذا، فيحتمل أن تتحول حياة كل واحدة من هؤلاء النساء إلى مأساة.

منصب رئيسة التحالف الدولي لصحة المرأة.