تحديد الأولويات

الجماهير الأحد ١٢/أغسطس/٢٠١٨ ١٦:٠٥ م
تحديد الأولويات

في كأس العالم الأخيرة شاهدنا اهتمام حكومات الدول التي وصلت منتخباتها إلى مراحل متقدمة من البطولة وشاهدنا اهتمام رؤساء هذه الدول بالحدث العالمي وعلى سبيل المثال رئيسة الحكومة الكرواتية والرئيس الفرنسي اللذان أظهرا دعماً كاملاً لمنتخبي بلديهما مثلما فعل الرئيس الروسي بوتين الذي وقف خلف بلاده بقوة من أجل الوصول لتحقيق الغايات والأهداف.
إن كل هذا الاهتمام يضعنا أمام حقيقة مهمة وهي أن الرياضة ليست مجرد نشاط يُمارس في أي بلد وإنما هي أكبر من ذلك بكثير حيث تمثّل إحدى الساحات التي تتمايز فيها الدول شأنها شأن أي مجال يبرز القيمة العالمية لتلك البلاد وما تمتلكه من إمكانيات وقدرات، ونحن في السلطنة عشنا هذا الشعور في ملحمة كأس الخليج والتي أقيمت في الكويت بداية هذا العام والتي توِّج بها منتخبنا الوطني وشاهدنا حجم التلاحم الشعبي والجهد الذي بذلته الحكومة في سبيل تحقيق هذا الإنجاز بتوجيه ودعم مباشر من راعي الرياضة العمانية الأول مولانا جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه.
والمتتبع لمسيرة الرياضة العمانية والتي قاربت على إكمال نصف قرن من الزمان منذ انطلاقها بالتزامن مع النهضة المباركة يستغرب كثيراً من عدم وجودنا في بعض المحافل الدولية المهمة مثل كأس العالم والألعاب الأولمبية على مستوى كرة القدم وعدم تحقيقنا لأي ميدالية أولمبية في أي لعبة رغم مضي 34 عاما على أول مشاركة لنا في الألعاب الأولمبية التي أقيمت في العام 1984م في لوس أنجلوس الأمريكية، وكذلك عدم حصولنا على أي تتويج قاري باستثناء بعض الميداليات في ألعاب القوى والألعاب الشاطئية حديثة العهد، وحتى وجودنا في كأس آسيا لم يتعدَ ثلاث مشاركات سابقة وستكون هذه المشاركة في الإمارات هي الرابعة لمنــــــتخبنا حيث لم نتجاوز دور المجموعات في المشاركات السابقة، كما أن منـــــتخباتنا للمراحل السنية مضى على آخر وجود لها في بطولات العالم ما يقارب 20 عاما منذ آخر تأهل لمنتخب الناشئين لكأس العالم في ترينيداد وتوباجو.
هذا الأمر يجب أن يضعنا أمام حقيقة مهمة وهي أهمية التخطيط في الرياضة مثلها مثل أي مجال آخر إن كنا ننشد التميز والتطوير، وحتى يكون لدينا تخطيط استراتيجي للرياضة يجب أن يكون لدينا تقييم حقيقي لواقــــــعنا الرياضي فليس من المقبول أو المعقول أن نستمر على نفس المنوال والنهج وأن نواصل العمل بنفس الطريقة التي نعمل بها كل عام وننتظر الحصول على نتائج مخــــــتلفة عن السابق فهذا يُعد ضرباً من الخيــــــال فالعمل بنفس الطريقة يقود لنفس النتائج كما يقول علم الإدارة. إن التخطيط السليم يجب أن يُبنى على أساس صحيح من رؤية حقيقية واقعية وأهداف قابلة للتنــــــفيذ متوافقة مع الإمكانات المتاحة وتقييم حقيقي بعيد عن الذاتية والفردية، والأهم من ذلك أن يكون مبنياً على تحديد الأولــــــويات بشكل دقيق؛ فالفترة الماضية كافيـــــة لإعطاء صورة واضحة عن أهم التحديات والعقبات التي واجهت رياضتنا خلال العقود السابقة والتي تسببت في عدم بلوغنا لغاياتنا وأهدافنا خصوصاً على المستوى الخارجي مع عدم إغفال ما تحقق من أهداف مهمة ومكاسب على المستوى الداخلي يجب الحفاظ عليها وتعزيز عوامل نجاحها. اليوم على المسؤولين في المجال الرياضي أن يقيّموا عمل الجهات التي أُنيط بها مسؤولية الرياضة من مؤســــــسات ولجان واتحادات وأندية وأن ينظروا لما حققته خلال الفترة الماضية في ظل الدعم المقدَّم لها وفي ظل التطلعات المرجوة منها، وأظن أنها فترة كافية لتقييم العمل في المجال الرياضي وما حققه من نتائج وعليهم أن يُعيدوا تشكيل خريطة الرياضة العمانية التي تحتاج إلى ذلك وعليهم أن يُوجِدوا مسارات أخرى تضمن الوصول للأهداف وتغيير آلية العمل السابقة واستبدالها بطريقة مختلفة.
إن الحقيقة الماثلة أمامنا تتطلب إعادة تحديد أولوياتنا فهناك لجان رياضية أثبتت كفاءتها وحققت إنجازات دولية مهمة رغم ضعف الموازنات المخصصة لها ويجب الدفع بها لتكون اتحادات مستقلة، وهناك لجان أخرى لم تقدِّم أي شيء يُذكر واستمرارها يعدّ استنزافا ماليا وهدرا يجب وقفه، والحال ينطبق على الاتحادات الرياضية فهناك اتحادات منذ أشهرت لم يتعدَ عملها سوى استلام موازنات وصرفها دون عائد وهذه الاتحادات يجب أن يُعاد النظر في جدوى وجودها بهذه الطريقة والشكل خصوصاً في ظل تقليص الموازنات بشكل عام، وهناك اتحادات تقدِّم عملاً مميزاً يجب أن يتم مساندتها ودعمها والأخذ بيدها لتحقيق أهداف الرياضة العمانية. هذا الحراك في تحديد الأولويات يجب أن يكون هو المنطلق الذي ننطلق منه لتغيير واقعنا الرياضي لواقع أفضل، وعملية تحديد الأولويات هي مهمة أساسية للمخططين في أي مجال وهو الدور الذي يجب أن تلعبه الجهات المسؤولة عن الرياضة العمانية وعليها أن تتحرّك نحو هذا الاتجاه حتى لا تهدر مزيداً من الوقت. إن عملية تقــــييم واقعنا الرياضي لتحديد أهدافنا يجب أن تنطلق من معايير ومؤشرات مرتبطة بالـــــــرؤية والأهداف حتى نستطيع الحصول على تقييم منطقي، وعلى الإعلام الرياضي أن يقوم بدوره في هذا الجانب، وكلنا ندرك أهمية الإعلام في وقــــتنا الحاضر والدور الذي يمكن أن يلعبه حيث ينبغي أن يقدّم النقد بصورة راقية ويقدّم الأفكار والآراء التي يمكن أن تساهم في تحقيق الطموحات المرجوة، وعلى المسؤول في الجانب الرياضي أن يدرك ما يطرحه الإعلام عندها فقط سنصل إلى أهدافنا.