مقاومة بلا توقف

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٥/مارس/٢٠١٦ ٠٠:٠٠ ص
مقاومة بلا توقف

غازي السعدي

أفضت سلسلة عمليات المقاومة، وحرب السكاكين، وأثرها على الإسرائيليين، إلى تعاظم مظاهر تعبير النخب الإسرائيلية، عن العجز في وقفها، وتنامي الدعوات الإسرائيلية للتعايش معها، فرئيس بلدية تل-أبيب "رون خولدي" كبرى المدن الإسرائيلية قال: علينا أن نقول الحقيقة، فلا يمكن وضع رجال أمن في كل متر، فشباب المقاومة ببساطة يمكنهم مفاجأتنا، ومن يقول غير ذلك فهو يقوم بالتضليل فقط، وما تقوم به المؤسسة الأمنية، هو أقصى ما يمكنها القيام به.
من جهة أخرى فإن المعلق بن كسبيت-من أبرز المعلقين الإسرائيليين- كتب في جريدة "معاريف 9-3-2016" يقول:"الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تتصرف كشخص ضرير يتحرك في الظلام، وهي غير قادرة على وضع مجرد تصور يفضي ولو من ناحية نظرية للحد من هذه العمليات، أو خفض وتيرتها"، وأضاف بنبرة بائسة:" لم يولد الشخص الذي لديه الوصفة التي تضمن وقف هذه الانتفاضة.
في إسرائيل وبين أقطابها طريقان الأولى وهي الأقوى، وتدعو للعمل على المزيد من القوة والقمع ووصلت إلى درجة الطلب بإبعاد ذوي منفذي العمليات إلى مناطق أخرى في الضفة الغربية، أو إلى قطاع غزة وحتى إلى خارج الحدود والاستمرار في بناء الجدران والأسيجة العازلة، فالجدار الذي أقامته الحكومة الإسرائيلية-وهو أطول جدار بعد انتفاضة عام (2000)- لتأمين أمن المستوطنات، لم يحقق الهدف، فأعمال المقاومة التي بدأت منذ احتلال عام 1967، مستمرة وستستمر حتى إزالة الاحتلال، أما الطريق الآخر الذي ينادي بالقدس الموحدة عاصمة إسرائيل الأزلية، بدأ يعتبرها بأنها مقولة رخيصة، لا مكان لها على أرض الواقع، ويجب التخلص من الفلسطينيين في إطار اتفاقية سلام شاملة، وأن الحل يكمن بحل الدولتين، من أجل الحفاظ على دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، فالصحفي "تامي أراد"، كتب في جريدة "يديعوت احرونوت 3-3-2016"، أن إسرائيل التي تدعي بأنها قوة عظمى، لا تنجح في وقف موجة إرهاب السكاكين والبلطات، وطريق "نتنياهو" في مواجهة هذه الموجة، تأتي بالخطب الحماسية الرنانة، والقوانين والتشريعات العنصرية، فـ "نتنياهو" لا يسمح لنفسه، بأن يكون أقل تطرفاً من المستوطنين، ومن الوزراء الأكثر تطرفاً منه في حكومته، فهو يعلم جيداً ما هي الآثار الناجمة عن إقرار قوانين تتعارض مع القانون الدولي.
في تقرير لوزارة الخارجية الإسرائيلية "يديعوت احرونوت 27-2-2016"، التي يترأسها "نتنياهو"-إضافة لرئاسة الوزراء، وثلاث وزارات أخرى- جاء أن عصابات تدفيع الثمن، تسبب الضرر الكبير لإسرائيل في العالم، وتزيد من مناهضتها والعداء لها، وتساعد في نزع الشرعية عنها، لأن إسرائيل لا تقوم، وليست معنية بالقبض على مرتكبي الجرائم وتقديمهم للمحاكمة، مما يسبب ضرراً كبيراً لإسرائيل في العالم، فجماعة تدفيع الثمن تقوم بخط عبارات كراهية وعنصرية ضد الديانة المسيحية والسيد المسيح خاصة على الجدران، وعلى "دور متسيون" في القدس الشرقية، وحرق الكنيسة في طبريا وحرق الكنائس والمساجد والاعتداء على المقدسات الإسلامية، والمسيحية، وحسب التقرير، فإن الاعتداء على المسيحيين هو الأكثر تأثيراً، ويقوض العلاقات الخارجية لإسرائيل، حتى أن ألمانيا أرسلت احتجاجاً رسمياً للخارجية الإسرائيلية، بسبب هذه الجرائم، فقد كشفت جريدة "يديعوت احرونوت 10-1-2016"، النقاب أن منظمة دفع الثمن، تتلقى الدعم المالي من مكتب حكومة "نتنياهو" مباشرة، ومن خلال جمعيات استيطانية، ومن وزارات حكومية، خاصة من وزارة الزراعة التي يرأسها الوزير "أوري أرئيلي" من حزب البيت اليهودي، ومن وزارة التربية والتعليم التي يرأسها الوزير "نفتالي بينت"، من حزب البيت اليهودي أيضاً، ووزارات أخرى، وهذه أدلة قاطعة بأن هذه العصابة، مدعومة من قبل الحكومة، التي عاثت بالقرى والمزارع والسكان الفلسطينيين فساداً.
رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست "تساحي هنغبي"، اعترف في مقابلة إذاعية معه "4-3-2016"، أن قوات الأمن، غير قادرة على القضاء على ما يطلقون عليه بـ "موجة الإرهاب" الحالية، ويقول:"لا يجب أن يفاجئنا ذلك، فالمنفذون لا ينتمون إلى منظمات وفصائل ستتمكن الأجهزة الأمنية من الدخول إليهم، قبل قيامهم بهجماتهم"، ويعترف بعدم وجود جهات تزودهم بالسلاح والمال، فهذه الانتفاضة ستكون طويلة، بدلاً من التوجه للحل السياسي مع الفلسطينيين، وفي اجتماع أمني برئاسة "نتنياهو"، وبحضور وزير الجيش وأجهزة الأمن الإسرائيلية "9-3-2016"، فإنهم مصممون على المزيد من التشريعات والعقوبات ضد الفلسطينيين، وبناء المزيد من الجدران، واللجوء إلى سياسة الإبعاد الفاشلة، وإغلاق محطات تلفزيونية متهمة بالتحريض على قتل الإسرائيليين،
منسق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية، اتهم إسرائيل بالاستمرار بسياسة هدم المساكن والمنشآت الفلسطينية بمعدل مثير للقلق "9-3-2016"، فهناك قلق دولي من اتساع عمليات الهدم، فهناك جدل إسرائيلي في موضوع هدم منازل الفلسطينيين، فجريدة "يديعوت احرونوت 15-12-2015"، اعتبرت هدم بيوت منفذي عمليات السكاكين غير أخلاقي، ولا يشكل عاملاً رادعاً، وكتبت جريدة "هآرتس 9-12-2015"، في تقرير لها، بأن مقولة هدم البيوت ستمنع العمليات هي مقولة كاذبة، لأن الذين قرروا أن يقوموا بالعمليات وأن يموتوا، لن يتأثروا بالخطاب الإسرائيلي الرسمي، بأن هدم البيوت أداة رادعة، فاستمرار العمليات يثبت أن عمليات الهدم لن تثني من القيام بعمليات ضد إسرائيليين، وجاء في الأنباء، أن هناك مسعى دولياً-أوروبياً، لمقاضاة إسرائيل لهدمها المنازل، وستطالب بالتعويضات، كما أن منظمة العفو الدولية، نددت بهدم وتدمير المنازل في الضفة الغربية، وداخل الخط الأخضر، حتى أن الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون"، ندد بالاستيطان، وهدم المنازل، رغم احتجاج إسرائيل على مواقفه، فقد قال أنه بعد قرابة خمسين عاماً من الاحتلال، وعقود من اتفاقيات "أوسلو"، يفقد الفلسطينيون-ولا سيما الشباب- الأمل، و"كي مون" شن هجوماً على إسرائيل، بأن الجمود في المسيرة السلمية، يزيد اليأس الفلسطيني تحت الاحتلال، ومثلما عملت الشعوب المضطهدة، على مدى الأجيال، فإن الطبيعة البشرية، وبعد أكثر من نصف قرن أن يعمل الفلسطينيون كغيرهم ضد الاحتلال.
كذلك هناك نقاش إسرائيلي-إسرائيلي، وآخر دولي استنكاراً لعمليات الإعدام ضد الفلسطينيين، فمنظمة "بتسيلم" لحقوق الإنسان وهي منظمة إسرائيلية، اتهمت "نتنياهو" بالسماح بإعدام الفلسطينيين ميدانياً، بتوجيهاته وأوامره المباشرة، جاء ذلك في رسالة وجهتها هذه المنظمة إلى "نتنياهو" مباشرة، أما الكاتب الإسرائيلي "طوبيا يولاك"، كتب في "هآرتس 26-1-2016"، أن الجيش الإسرائيلي، ينفذ إعدامات ميدانية بقتل الأطفال الفلسطينيين وتساءل:"هل كل الفلسطينيين الذين أعدموا كانوا ينوون تنفيذ هجمات؟ هل جميعهم يستحقون القتل؟ هل كانوا يشكلون تهديداً؟ ويرى الكاتب أن الاحتلال وحده السبب فيما يحصل. فالعالم مل منا، والمشكلة فينا وحدنا، وأن العالم يشاهدنا نقتل الأطفال، ورئيس حكومة السويد قال لوكالة الأنباء السويدية، ان الهجوم بالسكاكين في إسرائيل ليس إرهاباً، وليس مصنفاً على هذا النحو، ورئيس البرلمان العربي "أحمد بن محمد الجروان" اعتبر تصفية الفلسطينيين في الشوارع عملاً إجرامياً، ووسط كل هذا التطرف ظهر وزير الإسكان الإسرائيلي "يؤاف غالنت" من حزب كلنا، وهو جنرال سابق ليقول أن من يعتقد أنه لو استخدمنا أقصى قوتنا سنصل إلى نتائج، فهو مخطئ، مشيراً إلى الحل سياسي بامتياز، ومن عندنا نقول ليسألوا أنفسهم عن الأسباب التي تدفع بالفلسطينيين للاستشهاد والتضحية بأنفسهم، رخيصة.. أليس لدفع الغبن عنهم واسترداد ما سرق منهم؟

مدير دار الجليل للنشر والدراسات الفلسطينية