حوار- ناجية البطاشية
(مهمتي المحافظة على هذه المفردات لتبقى محتفظة بشكلها الطبيعي لإيصالها للناس وللسياح على وجه الخصوص)
"مشروع مجسمات الموروثات التراثية العمانية" مشروع قطع شوطا مهما في سوق المشاريع العمانية الناشئة تقوده امرأة عمانية فتحت نافذة صغيرة للحفاظ على الموروثات العمانية الأصيلة التي يحفل بها التراث العماني في كل بقعة من أرض عمان، فهي لم تتخصص في موروث دون آخر عن طريق مجسماتها وإنما أثرت مشروعها بثقافة الإطلاع والاحتكاك والتقرب من التاريخ لتخرج (أصيلة بنت حمود الغمارية) بمشروع متفرد يشار إليه بالبنان، فهو مشروع بدأ من النهاية لتجسيد تاريخ مكتمل البنيان برؤية مختلفة ذات نكهة خاصة وبمساهمة كبيرة جدا تحفظ للتراث العماني حق الحفاظ على هويته كما هي...
قالت أصيلة الغمارية عن هذا التفرد: أن تكون مختلفا في مشروعك أمر ليس بالهين، ويحتاج لبعد نظر وقدرة على قراءة السوق من حولك لابتكار شيء غير موجود لتكون لك بصمتك الخاصة..، تلك البصمة التي تصنع من مشروعك التفرد بكل معنى الكلمة، حيث يصبح المشروع ليس مجرد رقم في قائمة المشاريع القائمة وإنما صوت له حضوره ويمثل الاختلاف في كل جوانبه....
وحتى نتعمق بشكل أكبر في هذا التفرد كان لنا هذا الحوار معاها...
تأصيل التراث العماني
* كيف جاءت فكرة المشروع؟
* قبل أربع سنوات كانت فكرة المجسمات التراثية للموروثات العمانية مجرد "هواية" وجدت منها منفذا لتأصيل التراث العماني الغني والمتنوع الذي يعتبر ركنا أساسيا من أركان البيئة والحياة العمانية، أما براعتي فيه فجاءت من كون هذه المفردات التراثية الأصيلة جزءا كبيرا من حياة الإنسان العماني وليست مجرد حياة فائتة أو شعارات. فالعمانيون في حياتهم -حتى الحديثة- لا يستغنون عن كثير من هذه المفردات التراثية الجميلة والتي وضعوها في خانة الإضافة مع مقتنياتهم العصرية لتكتمل صورة الدمج بين الحديث من المقتنيات العصرية والمفردات التراثية العمانية، ومن هنا كبرت الفكرة لتتحول إلى مشروع بعدما استفدت من مشاركاتي في بعض المعارض التي كانت تشجع الإبداعات بإشراك أصحابها لإبراز قدراتهم، وإمكانياتهم عن طريق أفكارهم ومشاريعهم الخاصة، فهذا التشجيع جعلني استقرئ السوق ومدى رضى الجمهور ومحيطي عن منتجاتي التي تفردت بها لتكون شاهدا على مرحلة جديدة من حياتي أقرر فيها البدء بمشروعي الخاص الذي هو من صميم بيئتي العمانية، والحمد لله استطعت النجاح لإيماني بإمكانياتي، ورؤيتي المتكاملة لمشروعي الخاص.
منتجات أصيلة
* من خلال مجسماتك المختلفة وجدنا أنك استطعت الإلمام بمعظم المفردات التراثية التي خلفها الأجداد، فكيف استطعتِ الإبحار والوصول لتغطية شاملة للموروثات العمانية؟
* لم يكن من السهل أن تكون ملما بمعظم مفردات مجتمعك التراثية المتناثرة هنا وهناك والتي تحمل طابع الخصوصية من ولاية لأخرى لأنك تتعامل أساسا مع تاريخ تراثي عميق يحتاج منك المقدرة الكبيرة وحب البحث والإطلاع المستمر ومجالسة الأجداد الذين لديهم كل الفكر والمعطيات التي تمد من لديه مشروع خاص مثلي لانتاج منتجات يتم تقليدها تقليدا صحيحا، لأن المسألة مرتبطة بتراث لا يمكن المساس به إلا للأفضل وأي خلل فيه أو تطوير في غير محله سيؤدي إلى تشويهه، ولهذا فمشروعي ليس هينا أبدا وإنما مسؤوليته كبيرة جدا وتحتاج لصبر وبحث مطول واستخلاص للأصيل خاصة وأن هناك من يحاول التطوير بلا وعي صحيح وهذا يضر بموروثاتنا العمانية.
المحافظة على المفردات
* كيف استطعتِ الحفاظ على هذه المفرات من دون تدخل (تطوير)؟
* هذا هو جانب من جوانب نجاحي في مشروعي الخاص، فإنني منذ البداية انتهجت نهج إحياء مفردات التراث العماني بكل تفاصيله دون التعرض للتحديث أو التطوير فهذه ليست مهمتي فأنا مهمتي المحافظة على هذه المفردات لتبقى محتفظة بشكلها الطبيعي لإيصالها للناس وللسياح على وجه الخصوص، فمسؤوليتي تتركز في إظهار هذه المفردات مثلما انتجها أجدادنا لأنها تحكي تاريخ لا بد وأن يصل كما هو بلا تغيرات حتى يكون مرجعا حقيقيا لكل من يريد التعرف على بيئتنا العمانية ومحتواها من المفردات التراثية، وبما أنني امرأة عمانية وابنة بيئتي هذا يحملني مسؤولية أكبر لإخراج منتجات اشتغل عليها أجدادنا وبذلوا كامل جهدهم لتخرج مفردات حياتية يومية لها طابعها التقليدي والمرتبط بالحياة اليومية.
الجيل الحالي مستهدف
* من هي الفئة المستهدفة لمشروعك؟
* الجيل الحالي هو أكثر فئة مستهدفة من خلال مشروعي هذا، فهي فئة تعاصر أحداث ومتغيرات تكنولوجية كبيرة ومختلفة أصبحت تشكل شغلها الشاغل وتدخل حياتها بشكل لا يمكن حجبه أو إيقافه ولذلك هم فئة تحتاج لمثل هذا المشروع الذي يوضح لهم هويتهم العمانية من خلال الجانب التراثي وإبرازها على شكل مجسمات تستخدم كديكور أو مقتنى معين في حياتهم يكرس هذه المفردات في حياتهم ويعزز هويتهم العمانية ليبقوا مرتبطين ومطلعين باستمرار على هذا الجانب لكي يحافظوا عليه ولا يندثر. ويأتي السائح للسلطنة أيضا في مقدمة من يستهدفهم المشروع، فالسائح بطبيعة الحال دائما عندما يقوم بزيارة بلد من البلدان يبحث عن أهم مفرداتها لتعلق في ذهنه أو يتخذها مفردات للذكرى ينقلها فيما بعد لغيره من المواطنين في بلاده، وهكذا نعرف الآخرين على جزء من مفردات تاريخنا وتراثنا بل هويتنا. وتأتي فئة أصحاب المنازل الحديثة ضمن المستدفين لأننا نود كذلك جعل مفردات التراث العماني جزءا من ديكور ومقتنيات المنازل الحديثة حتى لا تندثر وتبقى دائما حاضرة.
مشروع فكري ثقافي
* هل إحياء التراث العماني عن طريق المجسمات له دور في المحافظة عليه؟
* بالطبع له دور كبير، فالمجسمات ثقافة عالمية تسهم في تعريف الناس بالتفاصيل المختلفة على كل المستويات في أي مجتمع كان، وهي ثقافة ليست وليدة اللحظة فبطبيعة الحال المجسم يشكل دائما نوعا من أنواع البحث والتنقيب عن المعلومة التي تخصه وهذا يقود أي باحث إلى تقليب صفحات الماضي والعودة للوراء للتعرف على التفاصيل المختلفة لهذا المجسم أو ذاك. وأحب أن أقول إننا في السلطنة -للأسف- نفتقد من لديه الحس بأهمية المجسمات في الجانب التراثي وعلى هذا الأساس قام مشروعي الذي يعتبر متفردا في توجهه ليس كمشروع تجاري فحسب وإنما أيضا كمشروع فكري ثقافي يهتم بتقديم المعلومة مع المنتج كلما سنحت الفرصة. فهناك أناس بالفعل يبحثون عن المعلومة مثلما هناك أناس يبحثون عن المقتنى فحسب كونه يعكس الزمن الفائت ونتاج الآباء الأوائل.