علي بن راشد المطاعني
في الوقت الذي تعمل فيه الدولة على توفير خدمات صحية متكاملة ومتقدمة في كل المراكز الصحية والمستشفيات وفي كل المحافظات والولايات، إلا أن هناك بعض المنغصات تعتري هذا الجهد المحمود ولا نعرف مصدرها على وجه الدقة، هل هي الوزارة أم الأطباء والعاملون في المراكز الصحية المناط بهم علاج المرضى والمراجعين؟
فما هو معروف سلفا أن مهنة الطب هي مهنة إنسانية في المقام الأول وتحكمها أخلاقيات رفيعة قل أن نجدها في أي مهنة أخرى، إذ هي معنية بإنقاذ حياة البشر، والإنسان كما نعلم هو أغلى رأس مال على الإطلاق إذ من خلاله تدور عجلة الحياة هذا إذا كان معافى في بدنه، والعكس صحيح بالطبع.
فعندما تستقبل المستشفيات أو المراكز الصحية حالة مرضية طارئة فإن الإنسانية المكتنزة في المهنة تلزم إسعافه أولا بغض النظر عن إي إجراءات أخرى.
أحد الزملاء اتصل بي مستنكرا ما حدث له في مركز حي الجامع بالخوض بولاية السيب مساء يوم السبت بعد صلاة المغرب فقد جاء بابنه الصغير الذي كان يعاني ألما في بطنه، إلا أن الطبيبة للأسف رفضت تقديم أي خدمة علاجيه له ما لم يحضر ملفه العلاجي من مركز صحي الخوض الذي يعالج به سابقا، قال لها عالجيه وافحصيه أولا وأوقفي آلامه أولا ثم بعد ذلك يمكننا بحث أمر الملف الكائن بمركز الخوض أو غيره، غير إنها رفضت هذا المنطق رغم صحته وتركته يعاني من ألمه غير مبالية به، موضحة له أن هذا الإجراء هو أمر من وزارة الصحة لا تملك غير تنفيذه.
هنا يبرز سؤال محوري من تلقاء ذاته وهو من المسؤول عن إحضار الملف من المركز الأول للمركز الثاني، هل هو المواطن أم الوزارة أو نقل البيانات الصحية، فكان على الوزارة أن تربط مراكزها الصحية عبر شبكات إلكترونية خاصة بها، وقتها يمكن للطبيب معاينة الملف وبغض النظر عن بعد أو قرب المركز السابق الذي كان يعالج به المريض، فذلك هو السبيل الوحيد الذي يجعل هذا الشرط مشروعا ومنطقيا، إذ نتفق بأنه من الأهمية بمكان أن يطلع الطبيب على ملف المريض فهذا الإجراء هو في صالح المريض بالطبع، ولكن في حالة عدم وجود شبكة تربط المراكز ببعضها، أو استحالة جلب الملف لبعد المكان الذي فيه الملف، هل المركز لا يسعف المريض مثلا، أو يتركه يتألم من مرضه إلى أن يموت أو تتضاعف حالته الصحية، لا أعتقد أن ما مارسته الطبيبة أمس الأول لائقا أن يكون طبيا ولا إنسانيا، ولا أحد يرتضي تعاملا كهذا بل يجب أن يحقق في مثل هذه الحالات التي تصنع امتعاضا لدى المواطنين من خدمات صحية رائعة، لكن الإجراءات منفرة للأسف، إذن فقرار الوزارة كما أفادت الطبيبة في غير محله ، وتعاملها أيضا لا أخلا قي عندما تركت وراءها المريض يتألم من مرضه وأوقفت علاجه أو الكشف عن حالته بدواعي الملف للأسف.
على الرغم من أن المريض من سكان الخوض المكان الأقرب للمركز الصحي الجديد الذي أسعف إليه الطفل المريض، وبياناته في مركز صحي الخوض، فكان للمركز أن يباشر بعلاج المريض ومن ثم يفيد المريض بجلب ملفه إذا رغب في الاستمرار بتلقي العلاج بالمركز أو يواصل علاجه بالمركز السابق، هذه الأساليب والقيم التي يجب أن يتحلى بها العاملون في المراكز الصحية في تخفيف الآلام عن المرضى، لا أن يضاعفوا مرضهم ورفض علاجهم ويزيد سخطهم من معاملات كهذه لا تتفق مع كل القيم والمثل واجبة الاتباع.
نأمل صادقين أن تستوعب الوزارة الموقرة حقيقة إن الخدمات الصحية والتي تكلف الدولة مبالغ طائلة من أجل أن يسعد المواطن بخدمات صحية أقل ما يقال عنها بأنها جيدة، غير إن هذه الجهود وعبر هذه القرارات غير المدروسة تغدو في مهب الرياح تماما إذا طبقت هذه الشروط اللاإنسانية في التعاطي مع المرضى وإهمال أخلاقيات الطب في مداواة المريض سواء كان لديه ملف أم لا، بل والترفع عن وضع هذه القيود على من جاء يصرخ متألما ومباشرة علاجه فورا ومن ثم طلب ملفات وبيانات، هذا ما عرفنا عن مهنة الطب وأخلاقياتها.
بهـــذه الإجراءات العقيمة من الممكن أن نفقـــد مريضا لم يقتله المرض وإنما قتلـــه قـــرار إداري خاطئ لم يأخذ حقه من الدراسة والتمحيص، ففي المجال الطبي وعندما تقع أخطاء كهذه فإن عواقبها وخيمة باعتبار أن المعني بالخطأ هو الإنسان.