البعد الدولي لماكرون والسياسات الجديدة

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٤/مايو/٢٠١٨ ١٠:١١ ص

كمال درويش

إن زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للولايات المتحدة الأمريكية في الشهر الفائت تعكس الكثير من التناقضات فعلى الرغم من مشاعر الصداقة فإن برنامج عمل ماكرون ولهجة خطابه كانت تقريبا متعارضة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى مع ترامب ولكن قيادة ماكرون تتعرض لتحد اكبر علما أن كيفية إدارته لذلك التحدي قد يرشدنا لكيفية تحقيق تقدم فيما يتعلق بالسياسات الليبرالية الديمقراطية.

لقد تكلم ماكرون بوضوح وهو يخاطب الكونجرس الأمريكي باللغة الانجليزية حيث دافع بقوة عن نظرة عالمية ذات بعد دولي، كما دعا لإنشاء مؤسسات دولية أقوى وإعادة الالتزام بنظام تجارة عالمي قائم على أساس القواعد والأحكام بالإضافة إلى تبني العولمة بشكل عام وفيما يتعلق بإيران أعاد التأكيد على الحاجة للمحافظة على الاتفاق النووي لسنة 2015 والذي انسحب منه ترامب مؤخرا وان كان قد دعا في خطابه الى اتفاقيات مكملة تتعلق بالمواضيع التي لم تغطيها الاتفاقية الحالية.

لقد أشار ماكرون كذلك إلى أنه سيسعى إلى عمل حملة على المستوى الأوروبي لانتخابات البرلمان الأوروبي لسنة 2019 وكديمقراطي هو يؤمن بأن تعزيز الاتحاد الأوروبي يجب أن يسير جنبا الى جنب مع تطوير فضاء سياسي حقيقي أوروبي.
في وقت تتزايد فيه مشاعر القلق والتوتر بسبب تدهور وضع الليبرالية ومستقبل الديمقراطية الاجتماعية وتصاعد المشاعر القومية وردة الفعل العكسية ضد العولمة فإن موقف ماكرون الثابت ذو الطابع العالمي هو موقف نبيل وفي واقع الأمر فإن ماكرون نفسه قد قرر أن يقفز للمجهول وذلك من خلال عالم «السياسات الجديدة» في الغرب وهو عالم لم يعد يعكس بشكل كامل التنافس بين احزاب كبرى من يمين الوسط ويسار الوسط ولكن هل انقضى زمان الانقسام التقليدي بين اليسار واليمين بسبب السياسات الجديدة؟
سيكون من الخطأ ان نصف ماكرون والذي عمل كوزير في حكومة سلفه الاشتراكية فرانسوا هولاند على انه وبكل بساطة ينتمي للوسط فعلى الرغم من انه تحرك باتجاه الوسط فإنه لم يلتحق بأي من احزاب الوسط التقليدية الصغيرة ولكنه عوضا عن ذلك انشأ حركة خاصة به.
لقد وصف ماكرون منذ البداية تلك الحركة – والتي اطلق عليها اسم إلى الأمام – بانها ليست يمينية وليست يسارية – متجنبا مصطلح «الوسط» واليوم هو يقول إن حركته على اليمين وعلى اليسار مما يعكس رغبته في كسب الناخبين التقليديين ليسار الوسط ويمين الوسط.
لو تلاشى الانقسام التقليدي بين اليسار واليمين فإن السؤال هو ما الذي سوف يستبدله ومع وجود العولمة في قلب الجدل السياسي في معظم البلدان، فإن الجواب قد يبدو هو الانقسام بين القوى العالمية والقوى ضيقة التفكير.
وطبقا لهذا التفسير فإن ماكرون يقود حركة مؤيدة للعولمة (ومؤيدة لأوروبا) وأولئك الذين يعارضونه سواء كانوا على اليمين او على اليسار هم يرتبطون بمعارضة مشتركة للانفتاح الاقتصادي وفي واقع الأمر في أقصى اليمين وأقصى اليسار يبعثون برسائل اقتصادية متشابهة.
في الوقت نفسه فإن أحزاب يسار الوسط ويمين الوسط السياسية الحالية –في فرنسا وفي طول الغرب وعرضه- عادة ما تضم مجموعات ذات توجه عالمي وأخرى يتملكها الشك من العولمة ولو أصبحت العولمة هي الانقسام الانتخابي الرئيسي في الدول الغربية فإن المنطق يقتضي احتمالية انقسام هذين المعسكرين بحيث يقومان بتشكيل عائلات سياسية جديدة.
لكن بينما اعتقد انه ستكون هناك بعض الحركة في ذلك الاتجاه فإن من غير المرجح ان يختفي الانقسام التقليدي بين اليسار واليمين. سوف تستمر الأحزاب التقليدية في الانخراط في جدل يتعلق بالقضايا المتعلقة بتوزيع الدخل بما في ذلك التدرج في الأنظمة الضريبية والنطاق والأهداف الصحيحة للسياسة الاجتماعية. إن «منصة» العولمة فقط لن تكون قوية لدرجة أن تكون هوية لحزب سياسي كبير.
إن هذا يعني أنه في السنوات المقبلة سيضطر ماكرون الى أن يتحالف بشكل اوثق مع يمين الوسط او يسار الوسط. إن الظروف الخاصة التي مكنته من الفوز بانتخابات سنة 2017 –يسار وسط فقد مصداقيته ومرشح يمين وسط فقد أهليته بسبب الفضائح- لن تتكرر مجدداً مما يعني أن على ماكرون أن يصبح قائدا عالميا صاحب توجه يساري أو قائد عالمي صاحب توجه يميني.
إن واحدا فقط من تلك الخيارات يبدو كخيار يمكن الحفاظ عليه فالسياسات التقليدية ليمين الوسط لن تتوافق بسهولة مع النزعة العالمية القوية ولو تم دعم العولمة بأبعادها المختلفة من خلال اغلبية شعبية فإنه يجب ان تصاحبها سياسات اجتماعية عصرية تقدم المساعدة الفعالة لمن يحتاجها وفي وقت يستمر فيه الاضطراب الاقتصادي فإن هذا سيصبح اكثر أهمية.
إن الانفتاح الاقتصادي يتطلب تضامنا اجتماعيا، وهذا لا يعني حماية وظائف محددة من المنافسة التجارية او الابتكار التقني بل يعني مساعدة الناس في التأقلم مع التغير المستمر، وذلك من خلال تقديم الموارد اللازمة لجميع المواطنين مثل التعليم والرعاية الصحية التي يمكن الحصول عليها بسهوله والدعم خلال هذه المرحلة الانتقالية أي باختصار أن أي موقف شعبي مؤيد للعولمة يجب أن يرافقه عقد اجتماعي جديد –بدعم من الموارد العامة- يحظى بموافقة أغلبية كبيرة وإلا فإنه سيكون من الصعوبة مقاومة دعوات القومية الجديدة.
بينما يكمل ماكرون إصلاحات الضرائب وسوق العمل الضرورية والتي بدأ فيها بالفعل فإن عليه التعامل مع هذا التحدي وفي ظل هذا التحول في النموذج السياسي فإن أولئك الذين يفضلون الانفتاح سينتصرون على الاحادية القومية فقط في حالة تبني كهدف رئيسي لهم مقاربة عصرية للتضامن الاجتماعي.

كمال ديرفيس هو وزير سابق للشؤون الاقتصادية في تركيا واداري سابق لبرنامج التنمية التابع للأمم المتحدة وهو يعمل حاليا كزميل أول

في معهد بروكنغز.