
مسقط - محمد سليمان
في منتصف الثمانينيات، قام شاب عماني بصناعة نموذج لسيارة، وكتبت الصحافة العمانية حينها عن هذا الشاب أنه ابتكر مركبة بوسائل ذاتية، ومع نهاية التسعينيات، بدأت المراحل الفعلية لابتكار أول سيارة عمانية ليُعلن دخول الألفية بداية العصر الجديد لابتكار الشاب الذي صنع نموذجاً لسيارة كهربائية، جاب خلالها العالم شرقاً وغرباً يجمع الخبرات ويطبقها عملياً على أرض الواقع، وعندما انتهى من ابتكاره الفريد، تحطمت آماله على صخرة الروتين، إذ مرت عشرات السنين كان يتنقل خلالها من جهة حكومية لأخرى، يجمع التراخيص، ويعد الملفات ويرتبها حتى بلغت عنان السماء، وأصبح الشاب شيخاً، ومشروعه لا يزال إلى اليوم بكراً.
إنه سلطان العامري، أول عماني يقوم بابتكار سيارة كهربائية كاملة، لكنه كغيره من عشرات من المبتكرين، الذين لا يبحثون عن مظلة تجمعهم، أو منصة تتحدث نيابة عنهم، وإنما يبحثون عمن يأخذ ابتكاراتهم على محمل الجد، لتتحول من فكرة إلى منتج يضيف إلى الاقتصاد الوطني لاسيما أن معظم الابتكارات تلامس أرض الواقع.
وغير سلطان العامري، هناك هلال السيابي الذي قدم أول ابتكارات تساعد ذوي الاحتياجات الخاصة، منذ خروجهم من المنزل حتى عودتهم إليه، وهناك آمنة الطارشية التي عملت ضمن فريق على ابتكار جهاز للقضاء على مشكلة نسيان الأطفال في المركبات، وغيرها الكثير من الابتكارات التي ذهبت طي النسيان.
نماذج عالمية
في البداية، يقول مخترع السيارة الكهربائية نور مجان، سلطان العامري: «كل سلعة أو منتج تجاري في العالم هو عبارة عن فكرة لابتكار واختراع لشخص ما، لكنه وجد من يعنى بابتكاره وإبرازه للوجود، وفي الدول العربية، غالباً ما نفتقد من يدعم الشباب معنوياً، ومادياً ومعلوماتياً، لتحقيق ابتكاراتهم، في المقابل تجد في الدول الصناعية الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية على سبيل المثال ما يسمى «بالمستثمرين الملائكة»، وواحد ممن شملتهم رعاية هؤلاء الملائكة، هو سيتف جوبز مخترع الهاتف الذكي، الذي بدأ حياته فقيراً لكن أحدهم، ساعده على تحقيق حلمه وغيّر نظرية الهواتف من الزر إلى اللمس وغزا العالم بفكرته واستقطبت دولته أموال العالم في بنوكها».
وأضاف: «بعض الحكومات العربية ومنها السلطنة، بدأت مؤخراً بتوفير بيئات حاضنة لمثل هذا النوع من المبتكرين أطلقوا عليها مجالس البحث العلمي، لكنها في حاجه إلى تغيير استراتيجيها، ونمط قيادتها من الروتين إلى الإبداع».
رعاية مفقودة
«ابتكرنا الجهاز، ثم انتهى الأمر»، هكذا بدأت آمنة الطارشية حديثها قائلة: «شاركت في ابتكار جهاز نسيان الأطفال في المركبات ولم نجد أي دعم أو اهتمام، بعد أن ابتكرنا أول جهاز في السلطنة يحذر من نسيان الأطفال في المركبات عبر تقنيات خاصة تطلق تحذيرات للتنبيه بوجود طفل حياته معرضة للخطر في السيارة، وتعاملنا مع إحدى وكالات السيارات المعروفة بالسلطنة، والتي وجدت أن الجهاز صالح للاستخدام، لكنها رفضته لأنه منتج طلابي يفتقر إلى الجودة، وهذا أمر طبيعي، لأننا فـــي حاجـــة إلى راعٍ وإلى من يتولى صناعة الجهـــاز كمنتج عمانـــي مطابق للمواصفات العالميـــة، بعد أن ابتكرنا الفكرة وأخرجناها للنور».
ومن المركبات، إلى ذوي الاحتياجات الخاصة، إذ قام هلال السيابي بابتكارات تساعد المكفوفين والصم والبكم، ولم ينته به الأمر عند ابتكارها فقط بل توجه إلى الصين وأنتج منها أعداداً محدودة نفدت في وقت قصير بعد أن قامت إحدى الدول بشرائها، ومن النماذج التي قام بابتكارها نموذج «كوب» الذي يمكنه تحديد مستوى السائل بدلاً من قيام الشخص الكفيف بوضع إصبعه في الكوب وتعرضه للاحتراق، أما الابتكار الآخر فهو عبارة عن «عصا» مزودة بتقنيات تحذر الكفيف من الاصطدام بالمارين بجانبه، ولكن كل تلك الابتكارات ما تزال محبوسة.
مجلس البحث العلمي
الوضع كان مختلفاً مع المبتكر العماني خالد الحارثي، الذي حصل على دعم من مجلس البحث العلمي لابتكار «مبخرة كهربائية» تعمل بطاقة 12 فولتاً فقط، وهي أول مبخرة تعمل بهذا الجهد الكهربائي المنخفض، علاوة على أنها أكثر أماناً وسلامة حتى عند سقوطها علاوة على أنها لا تعمل بـ «الفحم»، ويقول الحارثي: «مجلس البحث العلمي ساعدني في تحقيق هذا الابتكار وخروجه للنور، وأتطلع أن يكون منتجاً عمانياً رائداً في الأسواق العربية والعالمية».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الملكية الفكرية والتجارة والصناعة خبير الملكية الفكرية بوزارة التجارة والصناعة د.يحيى بن عيسى الريامي، قال لـ «الشبيبة»: «الابتكار يُساهم في التنمية والاقتصاد، ويلعب دوراً كبيراً في تطويرهما، بالإضافة إلى توفير فرص عمل جديدة، واستحداث أسواق بواسطة ما جرى ابتكاره من منتجات، تساهم في رفع مستوى الإنتاجية، والثروات الوطنية وتنميتها، كما أنه ضروري لغايات الحفاظ على البقاء ضمن عالم المنافسة». واختتم خبير الملكية الفكرية بالقول: «وجّهت الحكومة في السلطنة اهتماماتها لتشمل المبتكرين والمخترعين، كما تسهل لهم الإجراءات وتذلل لهم العقبات التي قد تشكل حجر عثرة في طريقهم». من جانبها، أوضحت وزارة التجارة والصناعة ممثلة في دائرة الملكية الفكرية، أن عدد طلبات براءات الاختراع المقدمة من الأفراد والشركات خلال العام 2017 بلغت 391 طلباً، مقارنة بـ369 طلباً سُجلت في العام 2016، وتوزعت هذه البراءات على عدد من المجالات، منها: التركيبات الكيميائية والصيدلة والميكانيكا، والإلكترونيات وتقنية الاتصالات، وتقنيات استخراج الغاز والنفط. وتطمح الوزارة إلى زيادة أعداد طلبات البراءات المقدمة وبالأخص الطلبات المقدمة من مخترعين عمانيين، وفي هذا الصدد جرى وضع خطة من قبل دائرة الملكية الفكرية، تهدف إلى نشر الوعي وأهمية حماية الاختراعات والأفكار التي تنطوي على الخصائص الإبداعية من خلال براءات الاختراع، وذلك في الجامعات والكليات والمناطق الصناعية.
وأوضحت الوزارة أن معظم المخترعين ليس لديهم المعرفة بأهمية عدم النشر عن موضوع الاختراع قبل التسجيل، وذلك بالإفصاح عن موضوع الاختراع سواء بالنشر أو الاستخدام أو العرض قبل إيداع طلب براءة اختراع لدى دائرة الملكية الفكرية، مما يفقد اختراعه شرط الجدة (أي لا يكون الاختراع جديداً) لذا ننصح المخترعين بتسجيل الاختراع أولاً ثم النشر عنه لاحقاً.
إذ يجب أن يمر طلب براءة الاختراع بعدة مراحل منذ تاريخ إيداعه إلى صدور شهادة براءة الاختراع، وذلك طبقاً لقانون حماية حقوق الملكية الفكرية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 67 لسنة 2008 ولائحته التنفيذية، وتتمثل المرحلة الأولى: إيداع الطلب: ويقوم المخترع بإيداع طلب براءة اختراع بعد استيفائه للاستمارات المخصصة لتقديم طلب البراءة مع دفع الرسوم المقررة لذلك طبقاً للقانون واللائحة، ثم يحصل المخترع على رقم للطلب وتاريخ إيداع يثبت أحقيته في أسبقية الإيداع.
أما المرحلة الثانية: فهي الفحص الشكلي إذ بعد مهلة (4 أشهر) من إيداع الطلب يُجرى الفحص الشكلي على الطلب للتأكد من استكمال النواقص مثل (المستندات القانونية والفنية) وإخطار مودع الطلب بقرار الفحص الشكلي، أما المرحلة الثالثة: فهي الفحص الفني إذ يُجرى الفحص الموضوعي على الطلب المودع بعد (18 شهراً) من تاريخ الإيداع وذلك بالبحث على قواعد البيانات المختلفة للتأكد من شرطي الجدة والخطوة الإبداعية لموضوع الطلب، ويصدر الفاحص الفني تقرير الفحص الموضوعي لمودع الطلب سواء بطلب استيفاء بعض التعديلات الخاصة بالطلب أو القبول أو الرفض. أما المرحلة الرابعة فيجري خلالها منح شهادة براءة الاختراع في حالة قبول الطلب، وينشر القبول بالجريدة الرسمية وينتظر صاحب الشأن 120 يوماً للمعارضة وذلك طبقاً للمادة (5 ج) من القانون ثم يجري النشر عن المنح بالجريدة الرسمية وإصدار شهادة براءة الاختراع.
وأوضحت الوزارة أنه لمالك البراءة الحق في التصنيع والبيع والاستيراد والتصدير والتخزين لمنتج اختراعه، وأيضاً له الحق في تقرير من الذي يجوز له أو لا يجوز له الانتفاع بالاختراع المشمول بالبراءة خلال مدة حماية الاختراع. كما يجوز لمالك البراءة التصريح للغير أو الترخيص له بالانتفاع بالاختراع وفقاً لشروط متفق عليها. كذلك يجوز لمالك البراءة بيع حقه في الاختراع لشخص آخر يصبح بذلك مالك البراءة الجديد. وعند انقضاء مدة البراءة تنتهي الحماية ويؤول الاختراع إلى الملك العام، وهذا يعني أن مالك البراءة لم يعد يتمتع بالحقوق الاستئثارية في الاختراع الذي يصبح في متناول الغير لاستغلاله في التجارة والصناعة.