التطفل على حياة الآخرين

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢١/مارس/٢٠١٨ ٠٤:٥٧ ص
التطفل على حياة الآخرين

محمود بن سعيد العوفي
alaufi-992@hotmail.com

من الطبيعي أن يهتم الإنسان بما يرتبط بشؤون حياته الخاصة ومصالحه الذاتية، ويصرف جهده في التفكير والسعي من أجل خدمتها، وقد يرقى إلى مستوى الواجب المتحتم عليه، لمختلف الاعتبارات، إلا أنه من غير الطبيعي أبداً أن يتدخل الإنسان بالشؤون الخاصة المرتبطة بغيره من الأشخاص؛ لأن كل إنسان له حياته الخاصة وشؤونه الشخصية، العائلية والمالية والصحية والعملية، وله أنماط سلوكه وعلاقاته الاجتماعية.

وكما لا يرغب الإنسان في أن يتدخل الآخرون في شؤونه، فإن عليه أيضاً ألا يتدخل في شؤون الآخرين؛ لأن حياة الإنسان الخاصة ملك له، وأسراره وقضاياه الشخصية حصن داخلي لا يرغب في تجاوز الآخرين عليه، وهذا التصرف غير مقبول، فالتدخل في خصوصيات الآخرين يعدّ مظهراً من مظاهر العداوة والبغضاء، لما في ذلك من أذى شخصي يترتب على هذا التدخل، وبالتالي ينبغي القول بأن رفض التدخل في شؤون الآخرين لا نعني به النأي عن شؤون الأغراب والأجانب فقط وإنما يشمل ذلك أيضاً التدخل في شؤون أقرب المقربين، من الأهل والأصدقاء.

ويتدرج التدخل في شؤون الآخرين من خلال تتبع الأخبار الخاصة بهم عن طريق المراقبة والتلصص، فأمثال هؤلاء لا تشبع فضولهم الإجابات العامة حول بعض الشؤون الخاصة، بل لا يرضيهم إلا أن يقفوا على كل تفصيل خاص بغيرهم حتى لو كان الطرف الآخر لا يرغب في الإفصاح عنه، كل ذلك بدافع من نزعة فضولية تدفع نحو تتبع أدق الشؤون الخاصة بالآخرين، في بث الإشاعة وتشويه السمعة، فما يكاد يقع المتطفل على المعلومة عن الطرف الآخر إلا ويبدأ في ترويجها والتطبيل عليها، حتى تصبح عنده مادة للحديث في المجالس، والسؤال، من يا ترى يجيز لهؤلاء فعل هذه الممارسة القميئة، ومن سمح لهم بها، ولماذا يعوّد المرء نفسه على هذا السلوك؟
في كثير من الأحيان يحاول الإنسان جاهداً، كتم أسراره والمحافظة على خصوصياته وحماية شؤونه من تدخل الآخرين في حياته، فالتدخل في شؤون الغير من أسوأ العادات وأقبح التصرفات التي ينزعج منها الآخرون، فالمتطفل يتدخل في خصوصيات الغير، إذ إن التدخل في شؤون الغير بات يتسبب في عرقلة حياتهم وتشويشها، ونجد بعض الفضوليين يتطفلون بحجة النصيحة أو السؤال عن أوضاع وأخبار الآخرين، وفي قرارة أنفسهم ما تصرفهم سوى لحجج واهية تكون نابعة من فضولهم وتطفلهم والحقد والغيرة، فمتى ما غفت أعينهم استيقظت تبحث عما هو جديد بلا كلل أو ملل، والله المستعان.
ويعدّ الفضول الذي يتدخل في شؤون الآخرين سلوكاً مكروهاً وغير مقبول، ويفضل أن يتعلم الإنسان حدود فضوله وحدود معرفته عن خصوصيات الآخرين حوله، بينما قد يصبح الفضول هوساً وإدماناً للبعض ويؤدي إلى مختلف المشاكل التي تؤذيه وتؤذي غيره.
فمن الأهمية بمكان احترام خصوصية الآخرين والإسلام يحثنا على ذلك، وسواء كانت حقوقاً مادية، أم أدبية لا يجوز الاعتداء عليها بأي حال من الأحوال، وهذا ما يجب أن يعيه بعض الأشخاص الذي يتطفلون على حياة الآخرين ويتبعون أخبارهم، وتحركاتهم، ويحشرون أنوفهم فيما لا يعنيهم.
أخيراً، إن لكل إنسان مجموعة من الأمور الخاصة، التي لا يحب أن يطلع عليها الآخرون، أو بعضهم، ولابد من احترام خصوصية الأشخاص، والحفاظ على أسرارهم، لأن من شأن ذلك زيادة الثقة بين الناس، وتوثيق الروابط الاجتماعية، ففي كثير من الأحيان يؤدي عدم احترام الخصوصية إلى حدوث مشاكل جمّة، وضعف في الثقة، وتعدٍ على حقوق الآخرين. قال الله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا}. «الإسراء: 36».