العبث بالتـراث.. الأسباب كثيــرة والعـواقــب وخيمـة

بلادنا الاثنين ١٩/مارس/٢٠١٨ ٠٢:٤١ ص
العبث بالتـراث.. الأسباب كثيــرة والعـواقــب وخيمـة

مسقط - خالد عرابي

التراث ليس ملكاً لفرد أو جماعة، وإنماً هو ملك للوطن بل للأمة، فتراث الأمم هو رأس مالها وثروتها التي لا تنضب بوصفه هبة الأجداد للأبناء والأحفاد، وبالتالي فإن علينا أن نصونه ونعتني به ليكون شاهداً على حضارتنا ونهضتنا.

ومن أبرز معالم التراث العماني الأصيل القلاع والحصون والحارات القديمة والقبور الأثرية وغيرها، غير أن أيادي بعض من لا يدركون أهمية هذا الإرث قد تعبث بهذا التراث، وهي لا تدرك أنها تضر وتؤذي الوطن.
ومن قصص العبث بالتراث التي حدثت مؤخراً ما تعرض له حصن العوابي، إذ قام مجهولون بتحطيم بعض محتوياته التراثية والتاريخية، وسارعت الجهات المختصة مثل شرطة عمان السلطانية ووزارتا «التراث والثقافة»، و»السياحة» بالقيام بدورها في البحث عن الفاعلين، وما زال التحقيق جارياً في هذه الحادثة البشعة بحق التراث والتاريخ، غير أن هذا الأمر ينبغي أن لا يمر مرور الكرام، وهو ما جعلنا نقرع جرس الإنذار ونطرح هذه القضية ألا وهي «العبث بالتراث».

التعامل مع الآثار

يقول مدير إدارة السياحة في الرستاق بمحافظة جنوب الباطنة، الفاضل علي بن عباس العجمي: «الإشكالية قد تكون من قبل قلة من الزوار في كيفية التعامل مع هذه الآثار، فنحن نلاحظ أن بعض السياح لديهم الوعي الكافي بأهمية التراث والمحافظة عليه سواء كان السائح محلياً أم أجنبياً، والبعض الآخر كما في أي مكان قد لا يكون لديهم الوعي الكافي بذلك، وهنا تحدث المشكلة، إذ قد يسيء البعض للتراث بالعبث به أو اللمس ما قد يضر ببعض المقتنيات والمعروضات، ولكن ومن قبيل الحرص نقول إن هناك بعض الإمكانيات التي تحدّ من العبث بالتراث ويكون لها دور كبير في المحافظة على تلك المواقع ومقتنياتها، مثل: توفير العدد الكافي من الكوادر البشرية للحراسة، وتوفير كاميرات مراقبة يجري ربطها بشرطة عمان السلطانية وأجهزة النقال لمسؤولي تلك المواقع، أما أن تترك دون رقابة سواء كانت بشرية أو تقنية فإن ذلك يؤدي إلى المساس بتلك المواقع والضرر ببعض مقتنياتها في بعض الأحيان».
ووجّه عضو مجلس الشورى، ممثل ولاية العوابي، سعادة هلال بن عبدالرحمن الخروصي رسالة إلى مرتادي جميع الأماكن السياحية والتراثية، مطالباً الجميع بضرورة الحفاظ على هذا الإرث الحضاري العريق، لأنه إرث ليس لشخص ولا ولاية أو قبيلة وإنما ملك للدولة وللوطن وللأمة، وعلى الجميع أن يكونوا حراساً لهذا التراث وألا يسمحوا لأحد أياً كان أن يعبث به.
وأشار سعادته إلى أن القلاع والحصون هي ملكية لوزارة التراث والثقافة، وتتبع إدارياً لوزارة السياحة لأن الأخيرة هي المسؤولة عن الأماكن السياحية ومسؤولة عن تعريف الزوار بها، وقد جرى تعيين بعض الحراس والمرشدين السياحيين. غير أنه أشار إلى أن عدد الحراس في بعض الأماكن ومنها حصن العوابي غير كافٍ، وقال: «بحسب ما علمت فإنهم يداومون من الساعة السابعة صباحاً حتى الثانية بعد الظهر، وبعد ذلك لا يوجد أحد للحراسة أو لمراقبة القلاع والحصون، وهذا قد يعطي البعض الفرصة للعبث بتراثنا مثلما حدث.
وطالَب الخروصي الجهات المسؤولة بضرورة تشديد الرقابة على القلاع والحصون، وأن يكثفوا من المتابعة والحملات الأمنية وذلك حتى يشعر من تسول له نفسه العبث بها، أنه مراقب وقد يجري ضبطه ثم لن يجرؤ أحد على مثل هذا العمل الهمجي. كما طالَب أن يجري تعيين مرشد سياحي أو أكثر حسب الحاجة لكل حصن أو قلعة، وذلك حتى يرافق الزوار أثناء الزيارة.

أخطاء فردية

المدير العام للآثار بوزارة التراث والثقافة، سلطان البكري يقول: «إن هناك وعياً لدى الكثير من شرائح المجتمع بأهمية التراث والمحافظة عليه، ولكن في الوقت ذاته هناك بعض التصرفات والأخطاء الفردية المتمثلة في العبث بهذا التراث والتعدي عليه، بالإضافة إلى الإساءة في استخدامه. كما أن هناك بعض التعديات الناتجة من تنفيذ المشاريع التنموية والمتمثلة في إقامة مشاريع الطرق ومشاريع خطوط الكهرباء والاتصالات وشبكات المياه، بالإضافة إلى المنشآت الحكومية الحديثة والتي قد تنفذ من قبل الشركات الموكل لها دون الرجوع لهذه الوزارة لإجراء المسوحات الأثرية اللازمة قبل التنفيذ للتأكد من خلو مواقع ومسارات هذه المشاريع من الشواهد والمعالم الأثرية التي قد تكون موجودة في المكان».
وأشار المدير العام للآثار بوزارة التراث والثقافة إلى أن الوزارة لا تقف حجر عثرة أمام متطلبات التنمية إلا أن واجبها الحفاظ على التراث إذ يجب حماية الشواهد والمعالم الأثرية بالتنسيق مع الجهات الحكومية، ومن أهم الإجراءات التي تتخذ عادة هي تغيير أو إزاحة مواقع المشاريع عنها أو تجنيب هذه المواقع التأثير البصري عليها. وقد أجرت الوزارة العديد الحفريات الإنقاذية مع عدد من المشاريع التنموية ومن أبرزها مشاريع الطرق، إذ قامت الوزارة وبالتعاون مع وزارة النقل والاتصالات بإنقاذ المقابر الأثرية الواقعة على طريق الباطنة السريع وطريق بدبد - صور وطريق سنا - محوت - الدقم. وجرى إنقاذ الكثير من المقابر وما تحتويه من مقتنيات أثرية.
وفي سؤال عن دور الوزارة في صيانة التراث والمحافظة عليه أكد البكري أن الوزارة تواصل جهودها في المحافظة على هذا التراث من خلال مشاريع الترميم والصيانة، فقد بلغ عدد الحصون والأبراج المرممة في العام 2015 مثلاً حوالي 78 قلعة وحصناً، كما قامت بترميم عدد من البيوت والحارات القديمة ومن أبرزها حارة البلاد بولاية منح، كما تقوم بترميم حارة البوسعيد بولاية أدم. ولتعظيم دور التراث وضمان المحافظة عليه واستثماره سياحياً قامت الوزارة بإحالة عدد من القلاع والحصون لوزارة السياحة من أجل إدارتها وتوظيفها سياحياً ويقتصر دور الوزارة على متابعة صيانتها الدورية إن تطلب الأمر ذلك. كما قامت الوزارة مؤخراً بتوقيع اتفاقية مع مؤسسة عمران لتوظيف قلعة نزوى.
وأكد رئيس لجنة الإعلام والثقافة بمجلس الشورى، سعادة علي بن أحمد المعشني على أن لجنة الإعلام والثقافة بمجلس الشورى تعمل على وضع قوانين للاهتمام أكثر بهذا التراث وأهمها «قانون التراث»، وقال: «لدينا تواصل مع المؤسسات الرسمية والخاصة ووقفنا على كثير من الوقائع وستصدر في قانون يحمي الجميع، كما نقوم بدراسة مدى زيادة أوجه الاستفادة الاقتصادية من تلك المعالم التراثية ومنها المتاحف وترويجها، وآلية التسويق لها وأن يكون لها برامجها المدروسة بشكل جيد».
طارق بن محمد بن عبدالرحيم الخروصي انطلق بالحديث من واقع ما حدث في حصن العوابي إذ إنه من أبنائها، فقال: «وقعت مؤخراً حادثة ربما هي الأولى في بلدنا الآمن -بلد الأمن والسلام- إذ قام مجهولون بتخريب وتكسير عدد من الفخاريات وصور من مخطوطات الشيخ العلامة جاعد بن خميس الخروصي، وبعض المعروضات الأخرى، في حصن العوابي، وهو يعد منشأة حكومية والتعدي عليه عقوبته مضاعفة. فمن منّا يتوقع أن عاقلاً يقوم بفعلة كهذه، ومن يتصور أن يدخل فرد إلى منشأة حكومية لأجل التخريب؟! هذا الأمر مرفوض خصوصاً أن هذه المنشأة تراثية، وهي تمثل تاريخاً عريقاً لولاية العوابي بشكل خاص ولعمان بشكل عام، وحكومتنا الرشيدة أولت اهتماماً بالغاً بهذه المنشآت». وأضاف: «كلنا ثقة فيما تقوم به الجهات المعنية لتحقيق العدالة وتطبيق القانون في بلد عرف ببلد النظام والقانون. ونطلب من المختصين في وزارة التراث والثقافة الاهتمام بصيانة الحصون بشكل دوري، وهنا أعني صيانة المرافق والأدوات الاستهلاكية البسيطة مثل المصابيح ووصلات الكهرباء والمياه. كما نطالب بتعيين حراس بالتناوب بحيث يكون عملهم على مدار 24 ساعة، مع ضرورة متابعتهم كباقي المؤسسات الحكومية».