طفرة الأسواق اليوم

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٣٠/نوفمبر/٢٠١٧ ٠٣:٣٤ ص
طفرة الأسواق اليوم

أناتول كاليتسكي

مع الارتفاع الجديد لأسعار الأسهم في جميع أنحاء العالم بشكل شبه يومي، فإنه من المثير أن نسأل عن ما إذا كانت الأسواق قد دخلت فترة من «الطفرة اللاعقلانية» وهي متجهة نحو الانخفاض. والجواب هو على الأرجح لا.

إن ما يعتبره العديد من المحللين ارتفاعا مؤقتا، نتيجة حوافز نقدية مصطنعة وغير مستدامة، ينمو في إطار توسع هيكلي للنشاط الاقتصادي، وفي إطار الأرباح والعمالة التي قد يستغرق ازدهارها سنوات عديدة أخرى. هناك أربعة أسباب على الأقل تدفعنا لهذا التفاؤل.

أولا وقبل كل شيء، سيعرف الاقتصاد العالمي نموا ملحوظا، حيت تشهد الولايات المتحدة وأوروبا والصين نموا اقتصاديا قويا لأول مرة منذ العام 2008. وفي نهاية المطاف، ستواجه هذه التوسعات تحديات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة. ولكن نظرا لارتفاع حجم الباحثين عن عمل في أوروبا والقدرة الاحتياطية في الصين، بالإضافة إلى الضغوط الانكماشية المستمرة بسبب التكنولوجيا والمنافسة العالمية، تبقى مخاطر تضخم مهول جد بعيدة.
وبدون دليل دامغ على التضخم السريع، سيفضل المصرفيون المركزيون المخاطرة بزيادة تحفيز اقتصاداتهم بدلاً من تضييق الإنفاق قبل الأوان. وبالتالي، ليست هناك فرصة العودة إلى ما كان يعتبر شروطا نقدية «عادية» - على سبيل المثال، ارتفاع أسعار الفائدة القصيرة الأجل في الولايات المتحدة إلى متوسط التضخم قبل الأزمة مع زيادة %2 تقريبا.وبدلا من ذلك، من المرجح أن تستمر أسعار الفائدة المنخفضة جدا على الأقل حتى نهاية العقد. وهذا يعني أن التقييمات الحالية للأسواق المالية، والتي تنطوي على عوائد محتملة بنسبة %4 أو %5 فوق التضخم، لا تزال مغرية.والسبب الثاني لهذا التفاؤل يكمن في الأثر المالي لنسب الفائدة المنعدمة والتوسع الهائل في أموال البنك المركزي المعروفة باسم «التيسير الكمي» حيث أصبح الآن مفهوما بشكل أفضل بكثير مما كان عليه عند إدخاله في أعقاب أزمة العام 2008. وفي السنوات القليلة الأولى من هذه التجارب غير المسبوقة في مجال السياسة النقدية، كان المستثمرون يخشون الفشل أو التسبب في عدم استقرار مالي أكبر. وكثيرا ما يقارن التحفيز النقدي بمخدرات غير مشروعة، مما سيؤدي إلى انتعاش قصير الأمد في النشاط الاقتصادي وأسعار الأصول، وسيتبعه حتما تراجع ما أن يتم سحب التحفيز الاصطناعي أو تخفيضه.
ولا يزال العديد من المستثمرين يعتقدون أن الانتعاش بعد الأزمة لن يدوم طويلا، لأنه كان ناجما عن سياسات نقدية غير مستدامة. ولكن هذه لم تعد وجهة نظر معقولة. والحقيقة هي أن السياسة النقدية التجريبية أسفرت عن نتائج إيجابية. بدأ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الذي قاد تجارب ما بعد الأزمة مع عدم وجود معدلات فائدة وتيسير كمي، بتخفيض مشترياته من الأوراق المالية الطويلة الأجل في بداية العام 2014، وأوقف عمليات التيسير الكمي في وقت لاحق من ذلك العام، وبدأ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة في العام 2015 - كل ذلك دون أية آثار «للانسحاب» الذي يتنبأ به المشككون.
وبدلا من العودة إلى الركود المزمن، استمر الاقتصاد الأمريكي في النمو وفي توفير فرص عمل مع انخفاض الحافز وتوقفه بعد ذلك. وقد وصلت أسعار الأصول، بعيداً عن الانهيار، إلى مستويات قياسية جديدة وتصاعدت ابتداء من أوائل العام 2013 - بالضبط عندما بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي الحديث عن «تحديد» التيسير الكمي.
ويشير فحص سياسة بنك الاحتياطي الفدرالي إلى سبب ثالث للتفاؤل. ومن خلال إظهار نجاح التحفيز النقدي، قدمت الولايات المتحدة خارطة طريق اتبعتها بلدان أخرى، ولكن مع تأخر طويل ومتغير. وبدأت اليابان التحفيز النقدي على نطاق واسع في العام 2013، بعد خمس سنوات من بنك الاحتياطي الفدرالي. وقد تخلفت أوروبا لسبع سنوات، وبدأت التيسير الكمي في مارس 2015. وفي العديد من الاقتصادات الصاعدة، لم يبدأ التحفيز النقدي والانتعاش الاقتصادي إلا هذا العام. ونتيجة لذلك، ستكون دورات الأعمال والسياسة النقدية أقل تزامنا من أي توسع عالمي سابق.هذا خبر سار بالنسبة للمستثمرين. وبينما يرفع مجلس الاحتياطي الفدرالي أسعار الفائدة، تخطط أوروبا واليابان للحفاظ على نسب تقرب من الصفر على الأقل حتى نهاية العقد، الأمر الذي سيعزز الآثار السلبية لتضييق المالية الأمريكية على أسواق الأصول في جميع أنحاء العالم، في حين أن الركود الأوروبي والقدرة المفرطة الآسيوية ستؤديان إلى تأخير الضغط التصاعدي على الأسعار الناشئة عن طريق التوسع العالمي المنسق.وهذا يشير إلى السبب الرابع لاستمرار نمو السوق العالمية. في حين أن أرباح الشركات الأمريكية، التي كانت تعرف ارتفاعا كبيرا لمدة سبع سنوات، قد بدأت في الارتفاع خارج الولايات المتحدة مؤخراً، مما سيوفر فرصاً استثمارية جديدة. لذلك، حتى لو أصبحت ظروف الاستثمار في الولايات المتحدة غير مناسبة، فإن الدورات الاستثمارية لأوروبا واليابان والعديد من الأسواق الناشئة ستحقق نجاحاً كبيراً: الأرباح آخذة في الارتفاع، ولكن أسعار الفائدة لا تزال جد منخفضة.وبطبيعة الحال، تواجه جميع هذه الأسباب الدورية للتفاؤل تحدي القلق الهيكلي الطويل الأجل. هل يمكن أن تعوض معدلات الفائدة المنخفضة أعباء الديون المتزايدة؟ وهل تعرف الإنتاجية انخفاضا بالفعل، كما تنطوي عليها معظم الإحصاءات الاقتصادية، أم هي في تصاعد، كما تشير الاختراقات التكنولوجية؟ هل تستعد القومية والحمائية إلى تقويض العولمة والمنافسة؟ وهل سيتم تضييق التفاوت الاجتماعي عن طريق توفير فرص العمل أو توسيع نطاقها، مما سوف يسبب اضطرابات سياسية؟
ولا تزال القائمة طويلة. ولكن لدى جميع هذه الأسئلة الهيكلية شيء مشترك: نحن لن نعرف الإجابات الحقيقية لسنوات عديدة. لكن يمكننا القول بثقة إن توقعات السوق حول ما يمكن أن يحدث على المدى الطويل تتأثر بشدة بالظروف الدورية القصيرة الأجل التي تظهر اليوم.
وخلال فترات الركود، يسيطر رأي المستثمرين على المخاوف الطويلة الأجل حول أعباء الديون والشيخوخة وضعف نمو الإنتاجية، كما كان الحال في الفترة منذ العام 2008. وفي التحولات الاقتصادية، يتجه الوضع النفسي نحو فوائد انخفاض أسعار الفائدة، والرافعة المالية، والتقدم التكنولوجي.وعندما يصبح هذا التفاؤل حقيقة، سترتفع تقييمات الأصول بشكل هائل وستصل السوق الضخمة إلى ذروة خطيرة. وقد وصلت بعض الأصول المحتملة بالفعل، مثل العملات الإلكترونية إلى هذه النقطة، ولابد أن تواجه الأسهم في أفضل الشركات العامة نكسات مؤقتة إذا ما عملت بسرعة كبيرة. ولكن بالنسبة لأسواق الأسهم عموما، فالتقييمات ليست مفرطة حتى الآن، والمستثمرون غير راضون على الوضع. وطالما استمر هذا الحذر، من المرجح أن تستمر أسعار الأصول في الارتفاع بدلاً من الانخفاض.

كبير الاقتصاديين والرئيس المشارك مع غافيكال دراغونوميكس. وكاتب عمود سابق في صحيفة تايمز أوف لندن، وصحيفة نيويورك تايمز الدولية