مصير داعش

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٧/يوليو/٢٠١٧ ٠٤:٢٠ ص
مصير داعش

داوود كُتّاب

أعلن رئيس الوزراء العراقـــي حيدر العبادي الأسبوع الفائت أن تنظيم (داعش) طُرِد من الموصل، المدينة التي أعلنت فيها الجماعة للمرة الأولى خلافتها المدّعاة قبل ثلاث سنوات. ومن المتوقع أن يخسر تنظيم داعش أيضا مدينة الرقة، آخر معاقله، التي بدأت قبضته تنزلق عنها بالفعل. ولكن من الخطأ أن نفترض أن هذه الهزائم تعني زوال داعش أو الجماعات المتطرفة العنيفة المماثلة.

الواقع أن الجماعات من أمثال داعش تعتمد على قدرتها على اجتذاب الشباب للانضمام إلى صفوفها، من خلال تزويد الأفراد المحبطين بشعور بالهدف مشحون إيديولوجيا. وقد أثبت تنظيم داعش براعته في القيام بهذا على وجه التحديد، مستقطباً المقاتلين الراغبين في الموت من أجل قضيته من مختلف أنحاء العالَم ــ لإنشاء خلافة واحدة تشمل العالَم العربي ــ وتُلهِم كثيرين آخرين تنفيذ هجمات في بلدانهم الأصلية.

صحيح أن استعادة الأراضي من داعش ــ وخاصة المدن التي اتخذها التنظيم «عواصم» لخلافته المزعومة ــ تقطع شوطاً طويلاً نحو إضعافه، من خلال بث رسالة مفادها أن الجماعة عاجزة في حقيقة الأمر عن ترجمة إيديولوجيتها الدينية إلى قوة جيوسياسية حقيقية. والواقع أن التقديرات الاستخباراتية الأمريكية تشير إلى أن تدفق المجندين الأجانب العابرين من تركيا إلى سوريا للانضمام إلى جماعات مثل داعش انخفض بحلول سبتمبر الفائت من 2000 شخص إلى 50 شخصاً تقريباً شهرياً.

لكن تجربة جماعات إرهابية أخرى ــ وأبرزها تنظيم القاعدة ــ تُظهِر أن الإيديولوجيات المتطرفة قادرة على البقاء حتى في غياب أي شيء يشبه الدولة. ويتعين على رُعاة مثل هذه الجماعات تغيير تكتيكاتهم، فيبنون صفوفهم ويخططون للهجمات سِرا تحت الأرض. ولكن يظل بوسعهم أن يعيثوا فساداً وأن يزعزعوا استقرار الدول ويشنوا هجماتهم المميتة على المدنيين قريباً وبعيداً.
فضلاً عن ذلك، هناك وفرة من الجماعات الجهادية المتشابهة في الفِكر والتي تعمل في نفس المناطق. ولنتأمل هنا جبهة النصرة، وهي فرع سابق من أفرع تنظيم القاعدة وواحدة من أقوى الجماعات الجهادية في سوريا. مثلها كمثل داعش، ترعى جبهة النصرة طموحات بناء الدولة. ويلقى هذا الجهد الدعم، على الجانب الديني، من قِبَل قادة عرب غير سوريين ــ على سبيل المثال، عبدالله المحيسيني، وهو سعودي الجنسية لا يشكك المقاتلون السوريون في الأغلب في أوامرهم وأحكامهم الدينية.
وتستفيد جبهة النصرة أيضا من ارتباطها بمجموعات أخرى تشترك معها في رغبتها في تخليص سوريا من نظام الرئيس بشار الأسد. والواقع أن جبهة النصرة تهيمن حالياً على تحالف يدعى «هيئة تحرير الشام»، والذي يضم 64 فصيلا، بعضها أكثر اعتدالاً من غيرها.
وعلى هذه الخلفية، تتجلى سذاجة الفكرة القائلة بأن استعادة الأراضي من داعش ترقى إلى تحرير المنطقة من الجماعات المتطرفة.
إن منع مثل هذه الجماعات من اكتساب القوة التي تسعى إلى الحصول عليها يستلزم بذل جهود متضافرة لفرض النظام على الساحة السياسية، وتعزيز سيادة القانون، وضمان التمثيل العريض، وليس إيقاع الهزائم العسكرية بها فحسب. وفي كل من سوريا والعراق، ربما يتطلب هذا إلقاء نظره فاحصة على جماعة الإخوان المسلمين، الحركة السياسية الدولية التي يعتقد كثيرون أنها تسللت إلى صفوف العديد من الجماعات المتطرفة ، على الرغم من إصرارها في العَلَن على كونها حركة غير عنيفة.
ومن الأهمية بمكان في حالة العراق أن تتغلب الحكومة المركزية في بغداد بقيادة حيدر العبادي على الطائفية التي قسمت البلاد لعقود من الزمن، والتي اشتدت حدتها في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للإطاحة بالرئيس صدّام حسين. الواقع أن قضية الطائفية في العراق أكبر من مثيلتها في سوريا،
ويستلزم اجتثاث التطرف في العراق وسوريا أيضا دراسة أكثر دقة للدور الذي تلعبه القوى الخارجية .

مع انزلاق حلم الخلافة بعيداً عن منال داعش، ربما تضعف قبضتها على عقول وقلوب المقاتلين الشباب المحتملين. ولكن ما لم تُبذَل جهود متضافرة وشاملة لإضعاف الثقة في الجهاديين وتكذيبهم وتعزيز قوة الأنظمة السياسية، فإن دورة العنف في العراق وسوريا وأماكن أخرى في الشرق الأوسط ستظل متواصلة.

أستاذ في جامعة برينستون سابقاً، ومؤسِّس معهد الإعلام الحديث في جامعة القدس في رام الله ومديره السابق.