تجارة زيت الطهي المستعمل

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٤/أبريل/٢٠١٧ ٠٤:٢٠ ص
تجارة زيت الطهي المستعمل

تريسكا حميد

إن تشغيل السيارات والمولدات من زيت أواني قلي شرائح البطاطس لا يعود بفائدة بيئية وحسب، بل يجني المال أيضاً.

يوجد مكون واحد من مكونات الطعام يُستخدم في جميع المطابخ المصرية، إنه سر إعداد الفلافل المقرمشة، وحلقات البصل اللذيذة التي تزيّن طبق الكشري، وشرائح بطاطس الشيبس التي يستمتع بها الجميع، إنه بالطبع الزيت النباتي، فهو أكثر الدهون انتشارا لطهي الطعام.

وبحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، يستهلك المصريون أكثر من 22 كيلو جراماً من الزيت النباتي للفرد الواحد، وهذا أعلى من المتوسط العالمي البالغ 19 كيلو جراما.

رغم أن هذه المستويات المرتفعة من استهلاك الزيوت تشكل مخاطر صحية محتملة فهي تؤدي أيضاً إلى ارتفاع معدلات التلوث، إذ يتم التخلص من معظم هذا الزيت في البالوعات وينتهي به المطاف في نهر النيل، وكل لتر من الزيت المستهلك يلوث 10,000 لتر من المياه. ولا تتم معالجة سوى 35 في المئة من مياه الصرف الصحي في البلد، ومع ذلك فإن النهر هو مصدر 97 في المئة من إمدادات المياه العذبة في مصر.
لا تؤدي الزيوت المستهلكة إلى تلوث المياه على نطاق واسع فحسب، بل تسبب أيضاً انسدادات في توصيلات الأنابيب المنزلية وكذا قنوات الصرف الرئيسية العامة، مما يخلِّف «كرات دهنية» ضخمة يمكن أن تسد شبكة الصرف الصحي العامة.
واليوم اضطلعت إحدى الشركات الناشئة بمهمة تغيير هذا الوضع القائم وتحويل هذه النفايات إلى وقود. بدأت شركة «تجدُّد» الشركة المصرية التي تعيد تدوير مخلفات الطعام المقلي في مصر.. كمشروع جامعي لتحويل زيت الطهي إلى وقود الديزل الحيوي لمعالجة مشكلة التلوث ونقص الوقود في البلد.
وتقول مديرة تطوير الأعمال والمرأة الوحيدة في الفريق المؤسس للشركة مريم عفيفي: «كان من الصعب إقناع الناس بنجاح هذه الفكرة، فكنا نعقد ورشة العمل كل يوم ولكن دون أن تسفر عن أي شيء. كنا نحاول فقط بلوغ مستوى الجودة المطلوب».
ولكن عقب النجاح في جمع الأموال من برنامج مسرِّعات الأعمال «فلات 6 لابز» في القاهرة والحصول على استثمار بقيمة مليون جنيه مصري من مستثمري كايرو إينجلز، تمكنت «تجدُّد» من تسخير معارفها التكنولوجية والبدء في إنتاج وقود الديزل الحيوي للاستخدام التجاري.
وتقول مريم عفيفي: «واجهنا صعوبات في الحصول على الزيت، لكننا تمكنا من دخول السوق من خلال التعامل مع المطاعم مباشرة».
والآن تقوم الشركة بشراء الزيوت من المطاعم بشاحنتين تجمعان النفايات مباشرة من منافذها. وفي مقابل كل لتر من الزيت المستعمل، تُنتج تكنولوجيا «تجدُّد» 0,9 لتر من الديزل الحيوي. وتبلغ تكلفة الكيلو الواحد 7 جنيهات، ولكن بمجرد تحويله إلى وقود الديزل الحيوي، تبيع الشركة الطن الواحد مقابل 7000 جنيه أو 900 دولار.
وفي حين أن الزيوت المستهلكة من المطاعم والفنادق تشكل الجزء الأكبر من إمدادات «تجدُّد»، تأمل الشركة في إشراك المزيد من المنازل في سلسلة التوريد التي تعتمد عليها بحملتها الجديدة «جرين بان».يحصل من يسجلون اشتراكهم في الحملة على قمع وقارورة بلاستيكية سعة 5 لترات. فمعظم الأسر في مصر تستهلك 3 لترات من الزيت شهريا، ويستغرق ملء القارورة شهرين في المتوسط.
في العام 2010، استهلكت مصر 1,4 في المئة من الزيوت النباتية على مستوى العالم، أي ما يعادل مليوني طن سنويا.
وتعقيبا على ذلك، تقول مريم عفيفي: «إذا كان يتم التخلص من 25 في المئة فقط من هذا الزيت، فهذا يكافئ 500,000 طن سنويا».
حتى الآن، سجلت 3000 أسرة اشتراكها في حملة «جرين بان»، ليزيد عدد الأسر المشتركة عن العام 2014 بأكثر من 1000 أسرة. وتتلقى شركة «تجدُّد» حاليا 3 أطنان من الزيوت المستهلكة شهريا من خلال حملة «جرين بان»، وهي نسبة تبلغ 2 في المئة فقط من إجمالي كمية الزيوت التي تحصل عليها، رغم أن المنازل تستهلك 75 في المئة من الزيوت النباتية على مستوى البلد، في حين تستهلك الفنادق والمطاعم النسبة المتبقية. فيمكن القول إنه توجد إمكانات جلية وواضحة للنمو.
وفي معرض حديثها، صرحت مريم عفيفي قائلةً: «بحلول نهاية هذا العام، نأمل أن نحصل على 20 في المئة من إنتاجنا من المنازل».
سيتطلب الأمر الكثير من الحملات والتوعية والتثقيف لتغيير مواقف الناس إزاء إعادة التدوير. ووفقا لمؤشر معايير التلوث، تعتبر القاهرة خامس أكثر المدن تلوثا في العالم، ومصر عموما خامس أكثر البلدان تلوثا في العالم وذلك نظرا لقلة التشريعات واهتمام المجتمع بالبيئة.