ابراهيم عبد المجيد يسلط الضوء على علاقته بالامكنة

مزاج الخميس ١١/فبراير/٢٠١٦ ٢٣:٢٥ م
ابراهيم عبد المجيد يسلط الضوء على علاقته بالامكنة

القاهرة - هدى الزين
رغم انه ترك مدينة الطفولة الاسكندرية منذ مطلع شبابه، الا انها ظلت تسكن روحه وتملا قلبه رغم ترحاله واسفاره.
فكتب عدة اعمال روائية تستمد احداثها وشخوصها عن الاسكندرية، منها روايته الشهيرة لا احد ينام في الاسكندرية والاسكندرية في غيمة”، التي باتت خاتمة ثلاثية كتبها عن مدينته البحرية، والتي جعلته من ابرز الكتاب العرب.
وابراهيم عبد المجيد من مواليد اسكندرية، سنة 1973 نال شهادة الفلسفة، وفي نفس العام رحل الى القاهرة، ليعمل في وزارة الثقافة.
تولى الكثير من المناصب الثقافية، آخرها رئاسة تحرير سلسلة (كتابات جديدة)، لمدة خمس سنوات.
واصدر عشرة روايات، منها (المسافات، الصياد واليمام، ليلة العشق والدم، البلدة الأخرى، بيت الياسمين، لا أحد ينام في الاسكندرية، طيور العنبر، وبرج العذراء والإسكندرية فى غيمة، كذلك نشرت له خمس مجموعات قصصية وهي الشجر والعصافير، إغلاق النوافذ، فضاءات، سفن قديمة، وليلة انجينا، وفي ادب الرحلات كتب اين تذهب طيور المحيط..واخيرا رواية أداجيو.
حاز ابراهيم عبد المجيد على جائزة نجيب محفوظ، من الجامعة الامريكية في القاهرة 1996 عن روايته البلدة الأخرى.
واختيرت روايته لا أحد ينام في الاسكندرية كأحسن رواية لعام 1996 في القاهرة.
وفي هذا الحوار الذي اجريته مع الكاتب في مقهى ريش بالقاهرة كان هذا الحوار الذي حملني الى رحلة سفر في عوالمه وحكاياته الساحرة.

* من خلال قراءتي لاعمالك الادبية يلاحظ ان للمكان دور كبير في رواياتك بدءا من ثلاثية الاسكندرية ورواية لا احد ينام في الاسكندرية والإسكندرية فى غيمة وغيرها ونلاحظ ان الاسكندرية كانت موضوع معظم اعمالك الروائية فهل قدمت المدينة كمكان ام كتاريخ وفلسفة وحالة عشق؟
- المكان في معظم الاعمال الادبية التي كتبتها يجري وصفه وفقا للحالة الروحية والنفسية للكاتب، أنا عشت في الاسكندرية فترة السبعينات وكانت وقتها مدينة واسعة جميلة، ولدت بالاسكندرية وعشت فيها حتي الخامسة والعشرين من عمري وما تعيشه في الصغر يظل في الروح للابد، من حسن حظي اني عشت في اسكندرية منذ الستينات وفي السبعينات كانت الاسكندرية مدينة واسعة وجميلة وعدد سكانها لايزيد عن ستمائة الف، واليوم اصبح سكانها ستة مليون، كانت الاسكندرية مدينة عالمية وكان يعيش فيها كل أجناس ولا فرق بين مصري، أو أرمني، أو مسيحي، أو مسلم.
كل الأديان كنت تجدها في شارع واحد، وكانت مصر كلها هكذا.
لكن الاسكندرية كانت الأشهر في تلك الروح العالمية، لأنها كانت عاصمة العالم في العصر اليوناني والروماني، في هذا العصر امتزجت فيه الحضارة الرومانية واليونانية بالحضارة المصرية القديمة.
وعادت تلك الروح إليها من جديد مع محمد علي باشا، ثم مع إسماعيل باشا.
الاسكندرية كانت مدينة جميلة، الحياة فيها مستقرة، الشوارع نظيفة وتشع فيها الوان الجمال ورائحة البارفانات وتلبس نسائها ورجالها ارقى انواع الموضة من الازياء الاوربية وتتألق في شوارعها النظيفة المحلات الراقية وكلها تعبر عن مظاهر سادت فترة الخمسينات ومن بقايا الفترة الملكية في مصر.
كنت اشعر مع السنوات بان الاسكندرية اخذت تتحول من مدينة عالمية الى مدينة متخلفة منذ السبعينات حتى اليوم كنت اعيش في طفولتي على اطراف الاسكندرية في حي كرموز وكانت جزيرة تصل بين الانفوشي والاسكندرية ومن اقدم الاحياء فيها،، وكان اسمه راكودا في زمن الاسكندر وكان يوجد فيه كثير من الغرباء بل كانوا اكثر من اهالي الاسكندرية وكانوا ياتون في مراكب تحمل البضائع وكان والدي يعمل بالسكة الحديد وكنت ارافقه في الصحراء واتعرف على تقاليدها وناسها ناس مطمئنة.
بدا المكان ياخذ مكانا في الاعمال التي كتبتها بسبب احساسي باني انسان غريب في المنفى في مكان كله غرباء وواسع جدا ولكنه جميل والمكان ايضا له دور في صنع الاحداث.
وكتبت قبل ثلاثية الاسكندريه عدة روايات منها رواية "مسافات" و"الصحراء والبحيرة" و"ليلة العشق" و"الدم" و"بيت الياسمين" ولكن قررت ان اعمل مرثية للمدينة او مدينة بثلاثة أصوات او محاور كبرى هي لا "احد ينام في الاسكندرية" كمدينة عالمية مدينة التسامح فيها كل الاجناس ثم طيور العنبر التي تتحدث عن الاسكندرية التي تحولت الى مدينة مصرية ثم "الاسكندرية في غيمة" كتبت فيها عن سكانها المصريين الذين في معظمهم سلفيين حيث انتهت كل مظاهر التحضر وسادت المظاهر والافكار المتخلفة.
كتبت عن القاهرة وعن السعودية والصحراء الشرقية رواية "قناديل البحر" ومن سلطنة عمان استوحيت رواية "شهد القلعة" التي رشحت لجائزة البوكر والتي تدور احداثها في قلعة بمدينة مسقط.

*بماذا اختلفت ثلاثية الاسكندرية عن اعمالك الاخرى وعن ثلاثية نجيب محفوظ؟
- "ثلاثية الإسكندرية" التي صدرت عن دار الشروق، هي ثلاثية مختلفة عما هو معروف من الثلاثيات الروائية الشهيرة، فمثلا ثلاثية نجيب محفوظ هي ثلاثية لثلاثة أجيال مختلفة، أما ثلاثيتي فهي مختلفة، تتناول مدينة وفقا لثلاث تحولات كبرى في التاريخ، فلا اكتب فيها عن أجيال، وإنما عن مدينة مرت بمراحل تحول كبرى، يمكن أن تقرأ منفصلة أو كثلاثية.
أما الذي يهمني في تلك المسألة هو السرد الفكري لتلك التحولات بكل ابعادها.

* كتبت رواية "شهد القلعة" في مسقط كيف استوحيت احداثها من قلعة تاريخية
- كنت في زيارة لقلعة قديمة تبعد عن مسقط بحوالي اربعين كيلو بهدف حضور عرض فني جميل وكان الناس يتفرجون على العرض الفني وانا سارح في القلعة اتامل بها فالقلاع تاريخ من حرب وحياة، وبدأت الرواية تتشكل في ذهني من المكان نفسه، وكنت قبل عدة ايام قد انهيت كتابة سيناريو للتلفزيون ولذلك تأثر هذا العمل باسلوب السيناريو فبدت كحكاية بوليسية تحدث داخل القلعة.

* انت كثير السفر والترحال وجسدت ذلك في اعمالك الادبية خصوصا منها ادب الرحلة فماذا يشكل السفر في حياتك واعمالك الادبية
- السفر بالنسبة لي خبرة انسانية ومتعة حملت لي الكثير من المعرفة والتجارب اشعر انني اتعرف على بلدان وشعوب لا اعرفها وانا شخصيا ابحث واهتم بالغرائب والاشياء غير المألوفة فيها عندما اسافر اي بلد.

* اي المدن وجدتها اكثر غرابة والتي اثارت فيك كوامن الدهشة والانبهار؟
- في كل مدينة ارحل اليها ارى فيها ما يشدني ولكن هناك انواع..فالدهشة في باريس سرعان ماستطيع استيعابها خصوصا واني قرات الكثير عن فرنسا لذلك كل شارع امر به اشعر انني اعرفه مثل الحي اللاتيني ورصيف الازهار فلم اشعر بالغربة فيها.
ولكن المغرب كانت تدهشني جدا عندما ازورها فانا احب مدن المغرب جدا واشعر ان المغاربة يشبهوننا شكلا ولكن اول ما اتكلم معهم اشعر انني في المغرب.
لذلك لكل بلد حكايات عايشتها وكتبت عن العديد من المدن والدول مثل فرنسا وروسيا والمغرب.

* صنف عملك لا "احد ينام في الاسكندرية" ضمن قائمة افضل المئة رواية عالمية ما الذي يميز هذا العمل عن اعمالك الاخرى؟
- لقد ضمت قائمة “ليست ميوز” لأفضل 100 رواية عالمية أربع روايات عربية، تصدرتها ثلاثية نجيب محفوظ، في المركز 42 وتلتها رواية “باب الشمس” للكاتب والروائي اللبناني إلياس خوري بالمركز الثامن والستين، وتلتها رواية “لا أحد ينام في الإسكندرية ” إبراهيم عبدالمجيد، وحلت في المركز السابع والسبعين، وأخيراً رواية الكاتب السوري خالد خليفة، “مديح الكراهية”، والتي حلت في المركز الخامس والتسعين.
الرواية تتحدث عن الاسكندرية كمدينة عالمية وتعيش تحت وطأة الحرب العالمية انا كتبت عن المدينة كمصري عشت بها وتاملت في تفاصيلها كتبت فيها كيف تعايش المصريون بمحبة وتسامح كشعب واحد مع مختلف الاجناس والاديان فمحمد على باشا أصدر مرسوما بحرية العبادة، وكان ذلك أفضل ما فعله، فتوافد على الإسكندرية اليونانيون، الذين يعتبرون أنفسهم بناة الإسكندرية، والايطاليون، والأرمن المضطهدون في العالم، والشوام والقبارصة، وكل الدنيا.
الإسكندرية عاشت في هذا العصر الذي كان التسامح أكبر ملامحه. وقد قمت بمجهود كبير في البحث بتاريخ المدينة حيث كنت ابحث عن اشكال الحياة فيها الموضة والعادات الاجتماعية الحضارية المنفتحة كما كتبت عن الحرب العالمية وزرت اماكن الحرب في العلمين وبحثت في عدد قوات الالمان والحلفاء وهو ماجعل منها رواية مهمة جدا مما دفع الى ترجمتها الى الانجليزية والفرنسية كما خرجت في تصنيف موقع ليست نيوز.

* ماهي أشهر الجوائز الأدبية التي حصلت عليها واهم النقلات الادبية في حياتك؟
- حصلت على عدد من الجوائز على رأسها: جائزة نجيب محفوظ للرواية من الجامعة الأمريكية عن "البلدة الأخرى" عام 1996، وجائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب لأحسن رواية عن "لا أحد ينام في الإسكندرية" عام 1996، والجائزة الدولة للتفوق في الآداب من المجلس الأعلى للثقافة عام 2004، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب من المجلس الأعلى للثقافة عام 2007، وبالنسبة للترجمات الى اللغات الاجنبية فقد ترجمت رواية "البلدة الأخرى" إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية في حين ترجمت روايتا "لا أحد ينام في الإسكندرية" إلى الإنجليزية والفرنسية و"بيت الياسمين" إلى الفرنسية.