«التربية» توضح: التعاقد مع القطاع الخاص يهدف لإدارة المدارس الحكومية وليس خصخصتها

بلادنا الأحد ٠٢/أبريل/٢٠١٧ ٠٤:٢٥ ص
«التربية» توضح: 

التعاقد مع القطاع الخاص يهدف لإدارة المدارس الحكومية وليس خصخصتها

مسقط –
بدأ التعليم الرسمي في السلطنة في ستينيات القرن الفائت وازدادت رقعة انتشاره منذ بدايات عصر النهضة المباركة، وتنوعت وتجودت خدماته في العقود الأخيرة من القرن الفائت وبدايات القرن الجاري، ومع تطور برامجه النوعية وبرامج تجويد التعليم تزايدت تكلفته وموازناته، الأمر الذي حدا بالمسؤولين عن التعليم في السلطنة إلى دراسة بدائل متنوعة تكفل جودة التعليم ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي في الوقت الذي تتوثق فيه الصلة من القطاعات الأخرى غير الحكومية ويزداد التعاون من أجل تحقيق هدفي التجويد ورفع الكفاءة معاً.

والسلطنة من بين تلك الدول التي تسعى دوماً إلى تجويد خدماتها التعليمية في المدارس الحكومية، كما تسعى إلى الوفاء بمتطلباته المالية في ضوء تزايد نفقات التعليم إجمالاً وتزايد كلفة دراسة الطالب الواحد.

وفي هذا الإطار جاء قرار مجلس التعليم رقم (7/‏3/‏2016م) القاضي بمباركته لتوجهات وزارة التربية والتعليم في إعداد دراسة للجدوى الاقتصادية من تشغيل وإدارة بعض المدارس الحكومية من قبل القطاع الخاص لتشجيع القطاع الخاص على زيادة الاستثمار في التعليم المدرسي بما يضمن رفع جودة التعليم ورفع كفاءة الإنفاق عليه، وفي إطار من التشريعات القانونية والإدارية والمالية والتربوية والإجراءات الواضحة، ومنظومة مؤشرات تربوية ترصد مقدار تلك الجودة وبما يضمن عدم المساس بحق الطالب في التعليم المجاني الذي تكفله الدولة، وحق ولي الأمر في أن يقدم لابنه تعليماً نوعياً ذا جودة في ظل وجود نظام المحاسبية للكادر التدريسي والإداري بالمدرسة في إطار من التحضير والمحاسبية الواضحة.
لقد جاء إقرار هذا التوجه من قبل مجلس التعليم بعد دراسات أولية في اقتصاديات التعليم قامت بها وزارة التربية والتعليم في مجال التعاقد التشغيلي مع مؤسسات القطاع الخاص لإدارة وتشغيل بعض المدارس الحكومية، وتشير الكثير من التجارب الدولية إلى أن تنوع الأساليب التي توظف من خلالها المخصصات المالية لقطاع التعليم يسهم في رفع الكفاءة التشغيلية للمدارس ويوفر فرصاً متنوعة لأنماط إدارة النظم التعليمية وهو التنوع الذي يعد مطلبا لتحقيق الجودة.
وتؤكد الدراسات في مجال اقتصاديات التعليم أن مستقبل التعليم يجب أن يقوم على مبدأ الشراكة المجتمعية في الإدارة والتمويل، وهذا ما أكدته اللجنة الدولية المعنية بالتربية للقرن الحادي والعشرين في تقريرها حول تمويل التعليم في القرن الحادي والعشرين الذي يقوم على افتراضين، أولهما: الزيادة السكانية في هذا القرن ستؤدي إلى زيادة الطلب على التعليم، وثانيهما: تراجع القوة الاقتصادية للدول مع تناقص الموارد المالية، ونمو كبير للقطاع الخاص، ما يجعل من الصعوبة قيام الدول بتمويل تكلفة التعليم بشكل كلي على المدى البعيد.
لذا فإن السلطنة كغيرها من دول العالم يجب أن تسعى لإيجاد بدائل تمويلية لدعم الشراكة مع القطاع الخاص في مجال التعليم، لاسيما أن سياسة السلطنة قائمة على دعم وتشجيع استثمار القطاع الخاص، فقد أكدت ذلك التوصيات التي خرجت بها الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني (2020).
وكخطوة نحو إشراك القطاع الخاص في دعم التعليم تسعى وزارة المالية لدراسة زيادة مساهمة رأس المال الخاص في تقديم الخدمات التعليمية بالسلطنة، وتؤكد وزارة التربية والتعليم دعمها لذلك، وترى أهمية المضي قدماً في تعزيز هذا القطاع ورفع مساهمته للتخفيف عن كاهل الموازنة العامة للدولة من ناحية، وللبحث عن مداخل مستجدة لتطوير التعليم وتجويد مخرجاته.
ورغم الارتفاع الكبير الذي شهدته كلفة التعليم في السلطنة خلال السنوات الخمس الفائتة تحديداً، إلا أن تطور أعداد الطلبة قلل من هذه المكاسب وجعل الحاجة إلى تطوير سياسات تمويل التعليم أمراً أكثر إلحاحاً، إذ توضح الإحصاءات أن الموازنة المخصصة لوزارة التربية والتعليم تضاعفت خلال السنوات العشر الفائتة.
ومن المهم الإشارة في هذا السياق إلى أن إحصاءات وزارة الصحة تشير إلى تسجيل أكثر من (85) ألف مولود بنهاية العام (2015م) وهي زيادة كبيرة عند مقارنتها بمعدل المواليد في الأعوام الفائتة، وبالتالي فإن هذه المعدلات المتزايدة للمواليد تشير بشكل واضح إلى أن المرحلة المقبلة تستدعي تعزيز موازنة التعليم العام في الفترة المقبلة.
في السياق ذاته فإن من المهم الإشارة إلى أن جملة من الدراسات العلمية التقييمية التي نفذتها وزارة التربية والتعليم أجمعت على ضرورة البحث عن مداخل مستجدة ومستدامة لتمويل التعليم العام في السلطنة، كما أكدت على ضرورة تمكين القطاع الخاص من القيام بدور أكثر فاعلية في التعليم العام في السلطنة من خلال تكوين شراكات إدارة وتشغيل وتمويل التعليم الحكومي، وتشارك الوزارة حالياً بالتعاون مع وزارة المالية والبنك الدولي بتنفيذ دراسة حول جوانب الإنفاق في التعليم.
هناك مداخل متعددة تعتمدها النظم التعليمية حول العالم للتغلب على التحديات في قطاع التعليم من خلال أنواع الشراكة الممكنة مع القطاع الخاص، لعل أبرزها مدخل الإحلال أو المدارس المفوضة أو المدارس التعاقدية، وتعرف على أنها «تعاقد» أو «ميثاق» بين الحكومة ومؤسسة خاصة (فرد - أفراد مشغلين)، وتعني أنها مدارس حصل القطاع الخاص على تفويض «ترخيص» بشأن تشغيلها وإدارتها وهو ما يسمى بالتعاقد التشغيلي.
وتقوم الوزارة بدراسة مدخل المدارس المفوضة «التعاقد التشغيلي» التي يمكن البدء بها في إطار التأسيس للشراكة مع القطاع الخاص إذ يعدُّ هذا المدخل أحد المداخل لدى العديد من الدول، من خلاله يجري إسناد إدارة وتشغيل مدارس حكومية قائمة أو جديدة إلى القطاع الخاص نظير مبالغ مالية يُتفق بشأنها بين الوزارة والمتعاقدين من القطاع الخاص، وبعد أن تحصل المدرسة على إذن بالتشغيل تبدأ لتكون تحت الإدارة التشغيلية للقطاع الخاص كبداية تجريبية في هذا الجانب بالحصول على التمويل الرسمي، كما لو كانت مدرسة عامة رسمية وتتمتع بحريتها مقابل تعهدها بتحسين أداء الطلبة من خلال مؤشرات أداء محددة.
إن الشريك من القطاع الخاص يستطيع أن يوفر عدداً من الخدمات إلى جوار الشراكة في الإدارة والتشغيل مثل: خدمات مرافق البنية الأساسية (التصميم، البناء، الصيانة) وخدمات غير تعليمية (التمويل، نقل الطلبة) وخدمات الدعم (تسهيلات تقنية المعلومات، المكتبة، الملاعب، الصالات الرياضية) وتدريب المعلمين، وغيرها.إن ما يدعو إلى التوجه نحو هذا النوع من الشراكة مع القطاع الخاص في مجال التعليم يتمثل في وجود العديد من الإيجابيات التي يمكن أن يضمنها القطاع الخاص مثل: جودة الأداء وكفاءة التشغيل وفعالية الإنفاق وخفض التكاليف وتقاسم المخاطر وسرعة التنفيذ والمحاسبة على الأداء ومراقبة الجودة.
ولعل أبرز الأهداف التربوية من الشراكة نجدها تتمثل في تغيير نشاط الحكومة من التشغيل للبنية الأساسية والخدمات العامة إلى التركيز على وضع السياسات لقطاع البنية الأساسية ووضع الأولويات لأهداف ومشاريع البنية الأساسية ومراقبة مقدمي الخدمات وتنظيم الخدمة وغيرها.
وفي الختام تؤكد الوزارة أن هذه الشراكة لن تترتب عليها أية تكاليف مالية على الطالب أو ولي أمره، فإن النظام الأساسي للدولة كفل مجانية التعليم للطلاب الدارسين في المدارس الحكومية، وفي حالة إقرار التوجه سيديره ويشغله نيابة عنها المؤسسات المتخصصة في مجال التعليم في القطاع الخاص بشكل تدريجي، وذلك في إطار ما تشير إليه المادة (13) من النظام الأساسي للدولة بأن «التعليم ركن أساسي لتقدم المجتمع وترعاه الدولة وتسعى لنشره وتعميمه، ويهدف التعليم إلى رفع المستوى الثقافي العام وتطويره وتنمية التفكير العلمي وإذكاء روح البحث، وتلبية متطلبات الخطط الاقتصادية والاجتماعية وإيجاد جيل قوي في بنيته وأخلاقه، يعتز بأمته ووطنه وتراثه ويحافظ على منجزاته.. وتشجع الدولة إنشاء المدارس والمعاهد الخاصة بإشراف منها ووفقاً لأحكام القانون...».