الكروكيات بين الإسكان والبلديات!

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٧/مارس/٢٠١٧ ٠٤:٤٥ ص
الكروكيات بين الإسكان والبلديات!

علي بن راشد المطاعني

في الوقت الذي يتطلب فيه أن يكون هناك تنسيق قوي بين وزارة الإسكان وأجهزة البلديات في السلطنة في تحديد ارتفاعات المباني وتوافر الخدمات من عدمها، نجد أن الحال بينهما لا يسر عدوا فما بالك بصديق للأسف، فالتعارض ولا نقول التنافر بين هذه الجهات يبدو أبعد من أي صيغة من صيغ التكامل والتنسيق، حيث من المفترض عمليا ومنطقيا أن تكون هذه الجهات جهة واحدة في الواقع، وذلك للعديد من الدواعي والأسباب التي تفرضها طبيعة عمل البلديات والإسكان كجهتين معنيتين بتوفير المسكن الملائم للمواطنين ويتداخل عملهما في الكثير من الجوانب في هذا الشأن، إلا أن السمة الغالبة هي التنافر على ما يبدو لأسباب لا تزال خافية على الكثيرين منا.
للتدليل على عدم التنسيق بين وزارة الإسكان وبلدية مسقط على سبيل المثال، اتصل بي أحد رجال الأعمال المستثمرين في القطاع العقاري، وقال إنه ضائع بين وزارة الإسكان وبلدية مسقط، سألته عن السبب، فأشار إلى إنه اشترى أرضا بهدف بناء مجمع سكني، وكان كروكي الأرض عند شرائها ‏مكتوب عليها عدد الطوابق المسموح ببنائها وهي 7 طوابق، وأن قيمة الأرض التي اشتراها كانت على أساس هذا الواقع، إلا أنه وعند تقديمه للخرائط رفضت البلدية اعتمادها، إذ طلبت منه تقليص عدد الطوابق إلى 4 فقط، وبررت ذلك بعدم وجود مكان لمواقف السيارات، واستمر السجال بين المستثمر وبلدية مسقط عامين كاملين على حد قوله، وأضاف لولا تواصلي وإقناع البلدية لما سمح لي ببناء الطوابق السبعة والتي اشتريت الأرض على أساسها، وأكمل مستغربا بأنه تمكن بعد جهد كبير بذله من الحصول على حقه، فكيف لمستثمر أو مواطن لا يملك علاقات وثيقة أن يكمل مشروعه بناء على الوضع القائم على أوراق الشراء وكيف له أن يستثمر إذا كانت الإجراءات بهذا النحو من التعقيد وقد تستغرق سنوات كما حدث معه وله، ثم يسأل هل المستثمر لديه الوقت والجهد ليضيعه سدى بسبب الكروكي بين جهتين حكوميتين مختصتين بتسهيل الاستثمار في القطاع العقاري وإذ هما تتعارضان على هذا النحو المؤسف وفي شأن عدد الطوابق المسموح ببنائها في أحياء محافظة مسقط على سبيل المثال.
إن ما عرضه رجل الأعمال ليس مسألة خاصة بقدر ما كانت توصيفا شاملا لما آل إليه واقع التنسيق بين الجهات الحكومية التي يفترض أن تكون على مستوى عال من التجانس المفضي لمفهوم فاعل في تأكيد انسياب العمل كجهة واحدة بأسماء مختلفة وصفا لا مضمونا.
فإذا كان تحديد عدد الطوابق في البنايات في محافظة مسقط مسؤولية وزارة الإسكان ‏وفق التخطيط الحضري الذي يجب أن يراعي كل الجوانب مثل المواقف والمساحات الخضراء والمرافق عند تخطيط أي منطقة فمن المفترض أن يؤخذ ذلك في الاعتبار ومنذ البداية، إلا أنه وللأسف فإن هذه المسلمات غائبة حتى في المخططات الجديدة التي حسبنا بأنها ستراعي جماليات المدينة، وهو ما يجعل المدينة أي مسقط ليست كالمدن الحديثة من حيث التخطيط العمراني الواجب الاتباع افتراضا.
إن ‏الكروكيات على ما يبدو قد أوجدت أزمة بين وزارة الإسكان والبلديات، سواء في الارتفاعات أو التمديد أو المرافق، فهذا التباين نحسبه خطيرا جدا على كافة الأصعدة والمستويات، فاليوم لم يعد الكروكي تلك الورقة البيضاء البسيطة كما يعتقد وإنما أمست المستند القادر على تغيير ملامح وجه المدن، وبه يعتدى على الممنوعات بكافة أنواعها، وبه يمكن التضييق على العامة ويمكن تكييفه لمنفعة أصحاب الياقات الطويلة ويمكن كذلك أن يعاد رسمه أو تخطيطه وفق المصالح والعلاقات، فلم يعد الكروكي إلا مصيبة متحركة يجب أن نضع حدا لها تلافيا لانعكاساتها على بلادنا وأجيالنا التي لن تجد ممرات آمنة لتمشي عليها ولا مواقف لركن سياراتها ومركباتها فيها، ولا مكانا فسيحا تتنفس فيه عبق هواء عليل بعد طول عناء في العمل.
بالطبع هناك من يسعى لتحقيق جزء من المثالية المفترضة في التخطيط العمراني السليم الذي يراعي الأماكن العامة، إلا أن غول المصالح ما برح يلتهم وبشراهة وشراسة كل ما هو عام وينتهك كل الحرمات التي يجب أن تراعى في البناء غير آبه بانعكاسات ما يمارسه على الآخرين.
نأمل من كلا الجهازين أن يفصلا فيما بينهما من إشكاليات حول موضوع الكروكيات، وتحديد الارتفاعات بدقة متناهية ومنع كل التجاوزات التي جعلت مسقط أشبه بالعشوائيات بدون تخطيط سليم يراعي حرمة الأمكنة العامة ويقلص المواقف العامة.