قصتي مع.. فبراير

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٩/فبراير/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
قصتي مع.. فبراير

محمد بن سيف الرحبي
www.facebook.com/msrahby
alrahby@gmail.com

أحب فبراير جداً..

هذا الشهر الجميل في مفكرة عمري، ليس لأن «فالنتاين» ترك لنا في منتصفه «عيد الحب» وليس لأنه أقصر الشهور عمراً حيث يقرّب الراتب إلينا أكثر.

أفضّله على بقية أخوته لجملة أسباب، منها لأنه شهـــد ميلادي «الوظيفي»، والذي يمر عليه هذا العام ثلاثون عاماً بالتمام والكمال، للمرة الأولى أرتدي صفة رسمية، ويكــــون لـــي رقم وظيفي في «دار جريدة عمان للصحافـــة والنشر» في مبناها القديم خلف سوق روي، وكانت الذكريات جميلة، حيث نسمع أن «الراتب واصل» فنصطف أمام موظف المالية ننتظر الأظرف المكتوبة عليها أرقام رواتبنا، وكانت بدايتها مع مكافأة تدريب مقدارها 150 ريالاً، لكنها كانت كبيرة لمن لم يعتد حتى على القليل من هذا الرقم الجميل.. في زمن «الطيبين».
وفبراير يعني لي أيضا الخروج من البيت الصحفي في جريدة عمان بعد 21 سنة (خدمة) شكلت أجمل مرحلة حياتية حيث البحث عن الذات ومطاردة الأحلام واختمار الطموحات ووضوح الرؤية رغم ضبابية أشياء كثيرة حولنا، لكنها «رؤيتي».. عشتها، ومضيت في دربها، شابا يترصد العمر، وتترصده أيامه.
في فبراير 1987 دخلت تجربة، وفي فبراير 2008 دخلت تجربة الخروج من التجربة السابقة، نحو أخرى، شكلت منحى مهما في حياتي، كون أن سكنى البيت الصحفي بعيدة جدا عن الإقامة في أي بيت آخر، مهما كان فخما وبديعا.
في بلاط السلطة الرابعة لا ننظر إلى الساعات (السبع) المقررة من الصباح إلى الظهر، بل إلى الصفحات ومتطلباتها، حتى وإن بلغت بنا فجر اليوم التالي، ولا تنتهي العلاقة مع العمل بإغلاق باب المكتب، بل تعيش معنا حتى حين نؤوب إلى استدعاء النوم بعد رحلة يوم طويلة حيث يفترض من الأفكار أن تكفّ عن مطاردتنا.. ولو إلى بعض حين.

في الوظيفة الحكومية الرسمية تنسى مطاردة الوقت، وبعد الثانية والنصف ظهرا (هذه مشكوك في الالتزام بها) سيخمد صوت الهاتف بما لا يقارن حينما كان لا يهدأ من طلاب نشر أخبار ومقالات وتحقيقات.. أو محتجين عليها، حيث تتحول أرقام (معيّنة) إلى كوابيس نتمنى أن لا تظهر على شاشات هواتفنا، خاصة مع مستهل يومنا.

وفي فبراير أيضاً كانت لحظـة بدء مرحلة أخرى، مغادرة الوظيفة الرسمية في «البلاط» الرسمي إلى مغامرة أخرى، حيث الاستراحة إلى الكتابة ومعه، أن يكون ما تبقى من العمر إخلاصا له، قراءة وكتابة ونشرا..

هكذا كان فبراير 2013، ميلادا آخر، متكررا، أشعر معه أنني أبدأ حياة جديدة، تزهر في كل مرة بشكل ما، بما يجعلني متفائلا، بعكس (رفاق) يعيشون تجربة «الوظيفة الواحدة» والنمط المعتاد في حياة تتشابه أيامها، دون قدرة على اتخاذ القرار الصعب: ودّع ما تشعر بالملل تجاهه، وابدأ من جديد، حيث تغيير الأمكنة والأزمنة يجعل الحياة.. أجمل.
.. وما زلت أتوق إلى فبراير آخر، ينقلني من محطة إلى محطة.