
علي ناجي الرعوي
كان الجميع في اليمن ينتظر موقفاً للرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب ربما يعلنه في خطاب التنصيب أو خلال الأيام الأولى لتوليه منصبه.. وكان الكل يعولون على أن يكون هذا الموقف مفصلياً إزاء الحرب التي تدور رحاها في بلادهم منذ مارس 2015 تأسيساً على موقف سابق كان قد أعلنه ترامب عقب فوزه في سباق الانتخابات عن أن الوضع في اليمن سيكون على رأس أولوياته، سيما أن مثل هذا التأكيد قد بنى عليه البعض تكهناتهم من أن موقف البيت الأبيض في ظل الإدارة الجديدة حيال الأزمة اليمنية لن يفترق كثيراً عن تعامل الإدارة السابقة، فهو الذي قد يتجه إلى تقليص دعم واشنطن للعمليات العسكرية التي ينفذها التحالف العربي في اليمن للهروب من الإدانات الموجهة لواشنطن من قبل المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية، وإما أن هذا الموقف سينحو في أحسن الحالات إلى فرض المزيد من الضغوط على كل الأطراف المنخرطة في تلك الأزمة لدفعها للقبول بمشروع التسوية الذي تمخضت عنه اجتماعات اللجنة الرباعية الدولية المؤلفة من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات العربية على اعتبار أن مثل هذا المشروع قد تبنته الأمم المتحدة لما يحمله من توازن وشمولية للحل.
الغالبية من اليمنيين وتحديدا أولئك الذين لا يملكون سوى دفن موتاهم الذين يسقطون في الصراع المجنون الذي تشهده بلادهم تارة بقذيفة تأتيهم من البر وأخرى من الجو والترحم على ضحاياهم وتفويض أمرهم إلى الله علقوا آمالا كبيرة على الرئيس ترامب إلا أن الحقيقة التي تجلت أمامهم سريعا كشفت عن أن حظوظهم في هذا الرئيس ضعيفة جدا وأنه الذي لا تهمه تلك الحرب الدائرة في بلادهم لانشغاله بالتفكير بمعارك أخرى داخلية وخارجية ومن ذلك معركته مع القضاء الأمريكي الذي حال دون تمرير قراراته الخاصة بمنع رعايا سبع دول عربية وإسلامية من دخول الولايات المتحدة بل إن خيبتهم قد تضاعفت وهم يرون الوافد الجديد على البيت الأبيض يتعجل في تنفيذ أول عملية إنزال لقوات النخبة الأمريكية في إحدى قرى محافظة البيضاء بهدف النيل من عنصرين في تنظيم القاعدة خصوصا وأن تلك العملية قد طالت حياة العشرات من الأبرياء الذين أزهقت أرواحهم دون أن يكون هناك أي مبرر.. وإلى جانب كل هذا فإن الأمر الذي لم يكن يتوقعه أحد هو أن تصبح اليمن ساحة معركة مهمة بالنسبة للرئيس ترامب وأركان إدارته في المواجهة المقبلة مع إيران رغبة من هذه الإدارة لكسر ما تعتبره فشل الإدارة السابقة في فرض القيود ضد طهران التي تهدد المصالح الأمريكية في المنطقة وهذا ربما ما أدى إلى تسريع الموافقة على إرسال المدمرة كول إلى الشواطئ اليمنية بحجة حماية الممرات المائية ومضيق باب المندب من هجمات المسلحين الحوثيين الذين تمدهم إيران بالمال والسلاح بحسب تصريحات مستشار الأمن القومي الأمريكي مايكل فلين.
الكثير من بسطاء الناس وعامتهم في اليمن وجدوا أنفسهم أمام السؤال الذي يفرض نفسه: إذا ما كانت الإدارة الأمريكية الجديدة تسعى جاهدة للحد من نفوذ إيران وتمددها في بعض البلدان العربية عن طريق إنشاء وتسليح مليشيات تتبنى أيديولوجيتها الدينية والسياسية وتحارب بالوكالة عنها كما تطمح هذه الإدارة فهل تعد الساحة اليمنية هي الساحة المناسبة لضرب هذا النفوذ؟ في حين أن كل الوقائع تدل على أن النفوذ الإيراني في هذا البلد الذي يخنقه الجوع والفقر ليس بذات المستوى والثقل الذي يظهر في بلد كالعراق أو سوريا أو حتى لبنان رغم معرفتنا أن أمريكا هي من سلمت العراق لإيران، وأمريكا هي من وطنت الإيرانيين في سوريا، وأمريكا هي من أرادت أن يكون هناك نفوذ لإيران في اليمن.. أليست واشنطن هي من ظلت تنكر لسنوات وجود أية رابطة بين جماعة أنصار الله وإيران؟ وأكثر من هذا أليست واشنطن هي من غضت الطرف ومنحت جماعة أنصار الله الضوء الأخضر للانتقال من صعدة إلى صنعاء والانطلاق بعد ذلك إلى أبعد منها؟ ألم يكن سفير واشنطن الأسبق هو من أصر على إشراك هذه الجماعة في مؤتمر الحوار الوطني وإدماجها في العملية السياسية والشراكة في السلطة؟ فماذا تغير إذن لتصبح هذه الجماعة محل توجس وارتياب بل وفي خانة الأعداء الذين ينبغي محاربتهم وقص أجنحتهم؟
منذ الآن علينا إما أن نبتدع مصطلحات جديدة أو نتكيف مع المصطلحات التي تعمل الإدارة الأمريكية الجديدة على تكريسها في خطاب الدولة العظمى والتي تعكس إلى أي مدى نحن أمام قواعد جديدة لهذه اللعبة التي برزت بعض فصولها بالنسبة لليمن فيما كشفت عنه مؤخرا مجلة فورين بوليسي الأمريكية والتي تحدثت عن أن جماعة أنصار الله باتوا الآن في مرمى استهداف أمريكا، وقد باشر البيت الأبيض هذا الاستهداف بتصعيد الإجراءات ضد هذه الجماعة متوعدا بضربها بشكل مباشر من قبل القوات الأمريكية ولعل مثل هذه المؤشرات هي من تفصح عن أن واشنطن قررت خوض أولى معاركها مع إيران على الساحة اليمنية دون الالتفات إلى الأوضاع الإنسانية الصعبة التي تحيق بمعظم سكانه.. ولم يكن إيراد اسم اليمن بشكل لافت في الحرب الكلامية والتهديدات المتبادلة التي تفجرت بين واشنطن وطهران عقب التجربة الصاروخية الإيرانية سوى المقدمة التي تمهد لهذه المواجهة وهي في الغالب ستكون مواجهة صالحة للتوظيف والتوليف والتكرار في أكثر من مساحة وساحة جغرافية أخرى في الإقليم ما يعني أن الدم اليمني المسفوك سيرتفع منسوبه بشكل يتجاوز كل الحدود الإنسانية.
كاتب يمني