مسقط – محمد محمود البشتاوي
لا تنتهي أزمات المنكوبين بالحروب عندَ فقدان الأحبة والوطن وضياع أحلام المستقبل والتشرّد واللجوء، إذ ثمةَ تداعيات وآثار للحرب تتعمَّقُ في الذاكرة والنفس، إن لم تعالج، فمن شأن هذا الأمر أن يزيد من معاناة اللاجئين.
لا علاج من الصدمات
«سيبيلا بوندولفي» ذكرت في تقرير نشره موقع swissinfo السويسري، واطلعت عليه «الشبيبة» أن سويسرا لا توفر مراكز كافية لعلاج الصدمات النفسية للاجئين الذين عانوا من ويلات الحروب، وما عايشوه من تجارب مؤلمة، من فقدان أفراد أسرهم، وتعرّض البعض للتعذيب والاغتصاب، وذلك بحسب ما أكدته أيضاً لجنة الصليب الأحمر.
وبحسب التقرير فإنه «يعيش في سويسرا اليوم 44.503 لاجئين تم قبولهم بشكل مؤقت، كما ينتظر 68.395 شخصاً الانتهاء من إجراءات عملية اللجوء. ويأتي هؤلاء من دول مثل سوريا والعراق وأفغانستان وإريتريا والصومال، ما يعني معايشتهم لويلات الحرب أو لتجاوزات نظام حكم دكتاتوري. وبحسب التقديرات، يعاني أكثر من نصف اللاجئين من صدمات نفسية نتيجة التجارب التي كابدوها في بلدانهم أو خلال رحلة فرارهم».
الأمراض النفسية
وينقل التقرير الأمراض النفسية التي تتعمّق لدى هذه الفئات، فهم يعانون من «العار والشعور بالذنب، ويميلون غالباً للانطوائية والارتياب بالآخرين، كما قد يكونون مصابين بالاكتئاب والقلق ويعانون من اضطرابات النوم ومشاكل في التركيز، والخوف والتهيجية.
وفي أسوأ الأحوال، قد يلجأ الأشخاص المصابون بالصدمة إلى المخدرات أو يميلون للعنف. لهذا السبب، يكون تأثير الصدمة سلبياً على عملية تكيّف اللاجئين مع مجتمعهم الجديد وسوق العمل على حدٍ سواء». ورغم أهمية وجود مراكز متخصصة فإن سويسرا مع ذلك تفتقر «بحسب التقديرات إلى نحو 500 مركز للعلاج النفسي لضحايا الحرب والتعذيب. وهذا الوضع مقلق للغاية، لا سيما بالنسبة للأطفال والشباب المصابين بصدمات نفسية».
ضحايا التعذيب
من هذا المنطلق، جاء اتفاق المتحدثين والحضور في المؤتمر الاختصاصي «الرعاية النفسية لضحايا التعذيب والحرب في سويسرا» لرابطة «دعم ضحايا التعذيب» والصليب الأحمر السويسري، على وجود نقص في رعاية اللاجئين المصابين بصدمات نفسية في سويسرا. وهذا ما أكده أيضاً من المكتب الفدرالي للصحة العمومية ستيفان شبايخَر، عندما قال: «هذه المشكلة مُعتَرَف بها، وهناك فجوات في معاملة المهاجرين». مع ذلك، لم يقدم شبايخَر أي وعود محددة لاحقاً لحل المشكلة، بحسب ما جاء تقرير swissinfo.
توماس مايَر- الذي يعمل في عيادة العلاج النفسي لكانتون سانت غالَّن- أكد أن ما يحتاجه اللاجئون الذين يعانون من اضطرابات نفسية قبل كل شيء هو الشعور بالأمان والدعم الاجتماعي. «هذا هو العامل الأهم، وهو ينطبق على جميع الأشخاص المصابين بصدمات نفسية».
الحرمان الاجتماعي
أما سوزان هوخولي فتستنتج أن مثل هذه «الظروف الوجودية تقود إلى المزيد من الصدمات النفسية»، و»يُمكن أن يُصاب الأشخاص الأصحاء بالصدمة أثناء وجودهم معنا»، كما تقول السياسية من كانتون آرغاو التي لم تتحدث عن الأمراض النفسية فحسب، ولكن عمّا يكابده المهاجرون من حرمان اجتماعي أيضاً، مشيرة إلى ما للبيئة من أهمية جوهرية في هذه الظروف. «وأنا أريد هنا أن أُلزِم المجتمع المدني بواجبه أيضاً». وحيث تؤوي هوخولي في مزرعتها أسرتين لاجئتين لأمهات وحيدات من أنجولا وإريتريا، فإنها تعرف جيداً عمّا تتحدث.
وذَكَّرَت هوخولي في تقرير swissinfo بأن التجارب المؤلمة في الوطن الأم قد لا تكون السبب الوحيد للإصابة بصدمة نفسية، ولكن أيضاً ما يحدث على مدار رحلة الفرار المحفوفة بالمخاطر. وكما تقول: «لا يمكننا أن نتخيّل كل ما يتعرّض له هؤلاء الناس وهم في طريقهم إلينا».