مسقط – ش
يمكنُ لأي مراقب أن يلتمس خيطاً من التقارب يربطُ موسكو وأنقرة، يدفع كلا البلدين لعقد مشاورات دورية في الفترة الأخيرة، حفاظاً على المصالح المشتركة، رغمَ كل الأزمات الراهنة في المنطقة، وفي مقدمة ذلك الصراع في سوريا، وعليها؛ فأنقرة وجدت نفسها على مسافةٍ بعيدةٍ من حلم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وربما تلاشى هذا الأمل مع تصاعد لأزمات الهجرة، وما شهدهُ الاتحاد من أزمات، ليس آخرها الانسحاب البريطاني، موسكو في المقابل، ما تزال تنظر بريبةٍ إلى دور قوات الناتو في دول البلطيق، وتشكك في نوايا الغرب في أوكرانيا، محتفظةً بـ"شبه جزيرة القرم" بعد ضمها إلى الاتحاد الروسي.
تتقاسم تركيا وروسيا مواقف مشتركة حيال الإدارة الأمريكية الجديدة؛ فالرئيس التركي رجب طيب أردوجان ناقمٌ من نظيرهِ الأمريكي باراك أوباما الذي "فشل في الملف السوري"، وتعامل مع الجماعات الكردية في الشام، ورفض تسليم زعيم منظمة الخدمة فتح الله جولن، لذا فهو يتطلع إلى علاقات متميزة مع واشنطن في ظل الرئيس الجديد دونالد ترامب، الذي تربطهُ بالرئيس التركي علاقات شخصية تعود لسبعينيات القرن الفائت، عندما كان أردوجان عمدة بلدية أسطنبول.
لا يختلف أمر أنقرة عن موسكو؛ فروسيا انتقدت دوماً أداء إدارة أوباما في سوريا، وتدخلات واشنطن في العالم، فيما تنظر إلى وصول ترامب للبيت الأبيض بارتياحٍ، وهو أمر يرتبط أيضاً بعلاقات الصداقة والاحترام بين بوتين وترامب.
وعلى خلاف السنوات الفائتة، بدأ المحلل السياسي والإعلام التركي المقرب من الحزب الحاكم في أنقرة، محمد زاهد جول، بتغيير لهجتهِ تجاه موسكو، إذ أن الدور التركي يقوم "بتقديم عروض التفاوض بين روسيا والمعارضة السورية؛ لعلم تركيا حاجة الطرفين لهذه اللقاءات، وهو ما تم في تركيا بعدّة لقاءات توصلت في النهاية إلى اتفاق بين المعارضة السورية المسلحة في حلب وبين روسيا، لرحيل المدنيين والجرحى والمقاتلين بأسلحة خفيفة وإدخال مساعدات إنسانية إلى الأماكن التي يتم ترحيل الحلبيين إليها" بحسب مقالٍ له نشر على موقع "الخليج أون لاين".
يستند جول في مقالهِ إلى تصريحات لبوتين، ولقاءات جمعت الأخير مع أردوجان، وربما من الأهمية الإشارة إلى آخر اتصال هاتفي جمع أردوجان مع بوتين، أمس، لتنسيق الجهود، حيال عملية إجلاء المدنيين المحاصرين في شرقي محافظة حلب والوضع السائد في عموم سوريا.
في ظل ما تشهدهُ أنقرة من توتر في العلاقات مع أوروبا، تساءل المحلل الأمني والعسكري التركي متين غورجان، إن كانت سياسة تركيا ستتحول ضد الغرب في البحر الأسود؟، وهل تتجه في ذلك إلى الاعتراف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم؟، في سياق بحث الطرفين عن مصالحهما، إلا أن غورجان لم يقدم إجابةً على تساؤلاته، ورأى أن واشنطن وأوروبا يترقبان التحولات في السياسة الخارجية التركية، بحسب ما جاء في مقالٍ له نشرهُ موقع المونيتور الأمريكي، وترجمهُ "ترك برس".
الكاتب الروسي المقيم في برلين ليونيد بيرشيدسكي الذي رأى في مقال نشرهُ موقع "بلومبيرغ" الأمريكي، أن واشنطن خسرت المعركة في سوريا، بسبب ترددها، وعدم رغبتها بتحمل أي مخاطر في ذلك الصراع، الأمر الذي دفع نحو توجه أنقرة إلى موسكو، مشيراً إلى أن هذه المعادلة جعلت إدارة ترامب أمام خيار صعب: "إما أن يلعب دورا ثانويا في المنطقة أو أن يحاول التدخل بقوة فيها ويمنع روسيا وتركيا من تقاسم النفوذ فيها".
ويبدو ما ذهب إليه بيرشيدسكي من تحليل، تأكد في إعلان روسيا لتعليق مفاوضاتها مع واشنطن، والتوجه إلى دول أخرى لتسوية النزاع في سوريا، وهو ما عبر عنهُ بوتين صراحة في العاصمة الكازاخية "أستانا" من أن بلاده وتركيا اتفقتا على استمرار اللقاءات بين الأطراف المتصارعة في سوريا استنادا إلى أرضية جديدة، وذلك بتقاسم الأدوار؛ فموسكو ستدفع بالسلطات السورية نحو طاولة التفاوض، فيما ستؤدي أنقرة الدور ذاته لكن مع أطراف المعارضة.
وفي سياق ما سبق؛ ثمة مساعٍ روسية تركية لتجاوز عتبات السياسة، والالتفات نحو الاقتصاد، إذ عاد مشروع "السيل التركي" إلى التداول مجددا بين البلدين، وتمت المصادقة عليه من الطرفين، بهدف بناء خط أنابيب للغاز من روسيا إلى تركيا تحت البحر الأسود عبر الأراضي التركية إلى الحدود مع اليونان.