الفرار من إيطاليا

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١١/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٠ ص
الفرار من إيطاليا

كارمن راينهارت

في الرابع من ديسمبر، يُعطي الاستفتاء في إيطاليا الناخبين الفرصة لقبول أو رفض ما اعتبره بعض المراقبين الإصلاحات الدستورية الأكثر شمولاً منذ إلغاء النظام الملكي مع نهاية الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك فربما يفسر لنا تأييد أحزاب المعارضة الثلاثة في إيطاليا للخروج من منطقة اليورو لماذا وَعَد رئيس الوزراء ماتيو رينزي بالاستقالة إذا رفض الناخبون الإصلاحات.

من المفهوم، بعد الانتصار المفاجئ في يونيو لحملة «الخروج» في استفتاء المملكة المتحدة على الخروج من الاتحاد الأوروبي، وفوز دونالد ترامب في الحملة الرئاسية في الولايات المتحدة، أن لا يثق أحد في نتائج استطلاعات الرأي السابقة للتصويت الإيطالي. ولكن هناك استطلاع لحظي مزعج لمشاعر المستثمرين: فقد تسارع هروب رؤوس الأموال من إيطاليا هذا العام.

وهناك ســابقة حديثة لهذا. ففي صـــيف العام 2015، كان تخلف اليونان لفترة وجيزة عن سداد قرض صندوق النقد الدولي، وفرض الضــوابط على رأس المـــال والقيــود على سحـــب الودائع، في قلب الدراما التي شــهدتها منطــقة اليورو. وارتفعت حِدة التوترات بين الحكومتين اليونانية والألمانية، وتصاعـــدت التكهنات حول ما إذا كانت اليونان ستبقى في منطقة اليورو.
الآن تحولت الساحة إلى الاقتصاد الإيطالي الأكبر كثيراً. وفي البيئة الحالية التي تتسم بعدم اليقين، اتسعت الفوارق في العائدات على السندات الإيطالية إلى نحو 200 نقطة أساس فوق السندات الألمانية.
الواقع أن مشكلة إعسار البنوك المتوطنة في اليونان، حيث تمثل القروض المتعثرة أكثر من ثلث الأصول المصرفية، ليست على نفس القدر من الانتشار في إيطاليا. ومع هذا فإن الحل غير المؤكد لثالث أكبر بنك في إيطاليا، مونتي دي باتشي، جنباً إلى جنب مع موارد الحكومة الإيطالية المحدودة في التعامل مع البنوك الضعيفة، كان سببا في إثارة القلق بين المودعين. كما يحذر المصرفيون أيضا من أن خطة إنقاذ مونتي دي باتشي ربما تتعرض للخطر بسبب استفتاء ديسمبر، والذي قد يؤدي إلى إشعال شـــرارة جولة أخرى من تراجع أسعار الأسهم.
ولكن على الرغم من كل الحديث عن أزمة مصرفية وشيكة، فإن أزمة ميزان المدفوعات الجارية بالفعل في إيطاليا منذ النصف الأول من العام 2016 تُعَد العامل الرئيسي الذي يدفع الاستطلاع اللحظي لمشاعر المستثمرين. قبل تبني عملة اليورو، كان وضع ميزان المدفوعات غير المستدام في إيطاليا (كما هي الحال في دول أخرى تستخدم عملاتها المحلية) ليؤدي عادة إلى دفع البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة، وبالتالي جعل الأصول المالية المحلية أكثر جاذبية في نظر المستثمرين ومنع هروب رؤوس الأموال. ولأن البنك المركزي الأوروبي يضع السياسة النقدية لمنطقة اليورو بالكامل، فإن هذا لم يعد خيارا متاحا لبنك إيطاليا.
وخفض قيمة العملة وفرض الضوابط على التدفقات المالية من الخيارات القابلة للتطبيق، فماذا قد يكون بوسع البنك المركزي في أي دولة أن يفعل عندما يواجه تسارع هروب رؤوس الأموال؟ إذا لم يكن جزءا من اتحاد نقدي، فمن الممكن أن يلجأ إلى التدخل في السوق لدعم عملته، فيستخدم احتياطياته من النقد الأجنبي ويخسرها في هذه العملية. وتعكس الخسائر الهائلة التي تكبدتها المملكة العربية السعودية من احتياطياتها في أعقاب هبوط أسعار النفط هذه الاستجابة السياسية.

أستاذة النظام المالي الدولي في كلية كينيدي للإدارة الحكومية في جامعة هارفارد.