ترامب التنين والمينوتور

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٦/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٠ ص
ترامب التنين والمينوتور

يانيس فاروفاكيس

دونالد ترامب على علم بخطر الإفلاس وإعادة التدوير المالي. إنه يعرف كل شيء عن النجاح وذلك بشكل افتراضي واستراتيجي، يليه خفض الديون الهائلة وإنشاء الأصول من الخصوم. لكن هل يفهم ترامب الاختلاف العميق بين ديون المستثمر وديون اقتصاد كبير؟ وهل يدرك أن فقاعة الديون الخاصة في الصين هي برميل بارود تحت الاقتصاد العالمي؟ الكثير يتعلق بمدى إدراكه لذلك.
لقد انتخب ترامب نتيجة الاستياء من سوء تدبير المؤسسة لطفرة ما قبل العام 2008 وركود ما بعد العام 2008. لقد تسبب وعده بالتحفيز الداخلي وبالسياسات التجارية الحمائية لإعادة وظائف التصنيع في وصوله إلى البيت الأبيض. بإمكانه تحقيق ذلك شريطة أن يكون على دراية بالدور الذي كانت تلعبه أمريكا في "الأيام الخوالي"، والدور الذي يمكنها أن تقوم به الآن وبشكل حاسم، دون إغفال أهمية الصين.
قبل العام 1971، كانت الهيمنة الأمريكية مستندة على فائض حساب أمريكا الجاري مع بقية العالم الرأسمالي، الشيء الذي ساعد الولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار من خلال إعادة تدوير جزء من الفائض لأوروبا واليابان. وإذا شكل هذا دعما للاستقرار الاقتصادي، فقد أضعف بشكل كبير عدم المساواة في كل مكان. لكن، بما أن أمريكا أصبحت في موقف عجز، لم يعد النظام العالمي قادرا على الاستمرار، مما أدى إلى ما دعوته بمرحلة المينوتور العالمية.
بعد العام 1971، نمت هيمنة الولايات المتحدة عن طريق عملية مماثلة. المقصود بالمينوتور هنا العجز التجاري للولايات المتحدة، الذي التهم كميات متزايدة من صافي الصادرات في العالم. وقد تم تمويل العجز المتنامي في أمريكا من خلال تدفق البلايين من الدولارات من صافي التدفقات اليومية إلى وول ستريت من المالكين الأجانب لهذه المصانع البعيدة -وغالبا من أمريكا- كشكل من أشكال الثناء الحديث على المينوتور العالمي.
في خريف العام 2008، أصيب المينوتور بجروح قاتلة بعد اصطدامه بجدار ديون القطاع الخاص التي كانت تمثل منتجاً ثانوياً لشهيته. في حين أن البنك الاحتياطي الفيدرالي والخزينة العامة أغرقا أسواق الولايات المتحدة (على حساب الأمريكيين الضعفاء الذين تم التخلي عنهم منذ العام 1970)، لا شيء سيعود لطبيعته: وبعد إصابة المينوتور المميتة، على أمريكا شكر -ليس فقط المجلس الاحتياطي الاتحادي والخزينة العامة على مساعدتها في تجنب حدوث أزمة الكساد الأعظم- بل تم إنقاذ الولايات المتحدة أيضاً من قبل التنين، فقد قامت الحكومة الصينية برفع الاستثمارات المحلية إلى مستويات غير مسبوقة لالتقاط الركود الذي تم إنشاؤه من قبل الانكماش في الإنفاق في الولايات المتحدة وأوروبا. لسنوات عديدة، سمحت الصين بتوفير الائتمان بواسطة بنوكها الرسمية وغير الرسمية لتعيث في الأرض فساداً، كما سمحت لها بالاستفادة من مال البنك الاحتياطي الفيدرالي من خلال الحصول على قروض مقومة بالدولار. باختصار، تدخل التنين لإعادة توازن الغرب عندما لم يعد المينوتور قادراً على فعل ذلك.
كان قادة الصين على علم بما كانوا يفعلون. كانوا يصنعون فقاعة الاستثمار غير المستدام لإعطاء أوروبا والولايات المتحدة فرصة للعمل معا. لكن مع الأسف، فقد فشل كل منهما في القيام بذلك: أمريكا بسبب المواجهة بين الرئيس باراك أوباما والكونجرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون، وأوروبا لأسباب مؤلمة جداً يصعب التحدث عنها. وعندما ضربت العاصفة العام 2015، مع ارتفاع معدلات الفائدة في الولايات المتحدة وانخفاض أسعار السلع الأساسية، كان على الصين تحريك توفير الائتمان مرة أخرى.
اليوم، يرتكز ازدهار الائتمان في الصين على ضمانات سيئة كالتي كان يعتمد عليها بير ستيرنز وليمان براذرز، وآخرين في العام 2007. وبسبب المبالغة في تقييم العملة الصينية بشكل كبير، قامت الشركات باقتراض الدولار لسداد الديون المقومة بالدولار، والضغط بقوة على أسعار الصرف.
خطة ترامب لمساعدة أولئك الذين تخلفوا منذ السبعينيات من القرن الفائت -في حالة ما إذا كانت عنده خطة واضحة- تتمحور حول محورين: حافز محلي وصفقات ثنائية تحت تهديد التعريفات الجمركية والحصص. ولكن إذا كان تصرفه قاسياً مع الصين، ودفع الصينيين لرفع قيمة الرنمينبي موظفاً تهديدات الرسوم الجمركية وما شابه ذلك، فقد ينتهي به المطاف إلى وخز فقاعة ديون القطاع الخاص في الصين، مطلقا العنان لسيل من العواقب السيئة التي من شأنها أن تطغى على أي حافز محلي يُدخله.
في هذه الحالة، فإن إنفاق ترامب على البنية التحتية سيتحول إلى المزيد من الرعاية المؤسسية، مما يدل على تأثير مضاعف. وهذا، بدوره، من شأنه أن يمهد الطريق للتقشف في المستقبل، وسيزيد الذعر من رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة والميزانية الاتحادية التي ستعاني من ضربة منبثقة من ضغط الالتزامات الحكومية غير الممولة (على سبيل المثال، الضمان الاجتماعي).

ولكي تنجح استراتيجية ترامب الاقتصادية على المدى المتوسط، لابد أن يفهم أنه ليس الدين العام الأمريكي، ولكن ديون القطاع الخاص الصيني، هي التي تحتاج إلى إعادة الهيكلة. خلاف ذلك، يمكن أن تذهب عوائد سندات الخزينة الأمريكية سُدى، مما سيضعف بشدة قدرة الولايات المتحدة على تحمل الديون.
وبالمثل، يجب على ترامب أن يدرك أنه لا يمكن أن يجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى عن طريق محاكاة التحفيز غير الممول لرونالد ريجان. لقد نجحت تلك الحيلة عندما كان المينوتور مربوطاً بالسلاسل ومتوفراً على التغذية. لن يتم هذا عندما تغيب النار عن التنين. بدلا من ذلك، إذا كان يريد ترامب حقا إعادة التوازن إلى الاقتصاد الأمريكي حتى يستفيد الشعب من فوائد النمو التي وعد بها كثيرا، عليه الاقتداء بالرئيس فرانكلين روزفلت وتطبيق الترتيبات الكينزية ذات الصلة باتفاقية بريتون وودز.
وزير مالية اليونان الأسبق، وأستاذ الاقتصاد في جامعة أثينا.