مسقط - محمد محمود البشتاوي
تستلهمُ السلطنة سياستها الخارجية من رؤية جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - الذي رسَّخ قيم التسامح، والانفتاح، ورفض التحزب والانغلاق، الأمر الذي أسهمَ، ومنذ فجر النهضة المباركة، في تفرُّد السياسة الخارجية العُمانية وفق دبلوماسية الوساطة لحل النزاعات، و«صفر أعداء» في التعامل مع مختلف الدول، واعتماد الحياد، والبعد عن الدخول في سياسة المحاور الإقليمية والدولية، ما جعل لهذه الدبلوماسية خصوصية في التجربة.
والفكر السياسي لجلالة السلطان، لا يتعامل مع الدول الإقليمية، وعلى مستوى العالم، من منطلق العداء المسبق، وإنما تقوم العلاقات على أساس الاحترام المتبادل، بما يحفظ لكلا الطرفين مصالحهما، نافياً بذلك العداوة، فيما تتعامل الحكمة السلطانية مع أطراف النزاع في الدولة الواحدة، أو بين الدول، على أساس عدم الانحياز والاصطفاف في نطاق سياسة المحاور، التي تولّد بالضرورة العداء والاحتراب.
كانت هذه الركيزة الأساسية المنطلق الذي بدأ التعامل به منذ النهضة المباركة، وحتى الآن، الأمر الذي جعل السلطنة بعيدة عن التوتر والتنازع ضمن التكتلات الإقليمية والدولية.
«منذ بدء النهضة ظلت السلطنة تدعو إلى تسوية الخلافات مع دول الجوار وإلى تصغير هذه الخلافات وإعادة الحيوية للعلاقات الثنائية ووقف الجفاء»، بحسب ما يرى المحلل السياسي الأردني د. سلطان الحطاب في تصريحٍ خاص لـ«الشبيبة».
ويؤكد الحطاب أن هذا التوجه دفع السلطنة لأن «تنأى بنفسها عن التدخل أو الزج بدور لها في الصراعات، أو الانحياز إلى طرف على حساب آخر، فاكتسبت بذلك احتراماً مكنها من أن تلعب دور الوسيط المحايد»، موضحاً أن «عُمان لم تعترض في سياستها الخارجية على أي علاقة مع أية دولة في العالم طالما احترمت هذه الدولة المواقف العُمانية وقبلتها، لذا ظلت السلطنة تتمتع بعلاقات طيبة مع مختلف دول العالم، وظلت تقيم علاقات تتسع في كل يوم معها منذ بدء النهضة العام 1970».
ويشدد مؤلف كتاب «سلطنة وسلطان: أمة وقائد» أن لعُمان «فائضاً من القدرة على مساعدة الدول الأخرى؛ إذ إن حكمة السلطان قابوس ورسوخ سياسته دفعا كثيراً من دول الجوار والعالم لأن تتطلع إلى دور عُمان في مساعدتها؛ لهذا تصدرت عُمان دول المنطقة ونافستها في القدرة على المساعدة في ترسيخ السلام والأمن والمصالحات ونزع فتيل الصراعات داخل مجلس التعاون ومع دول الجوار، ولعبت السياسات الخارجية العُمانية في كثير من الأحيان دور الوسيط النزيه المرغوب تدخله».
ويذكر الحطاب، مدير دار العروبة للدراسات السياسية في الأردن، محطات عدة ساهمت فيها السلطنة بحل الأزمات، والتوسط للإفراج عن مختطفين أمريكيين وفرنسيين وإيرانيين، وإطلاق السلطنة لوساطات وقف الحرب في اليمن وسوريا، واستقبالها لعائلات فرَّت من الحروب والصراعات الداخلية، مؤكداً أن عُمان «ظلت وسيطاً موثوقاً أكثر من وساطات أخرى اعتراها عدم الموثوقية، ولم تقتصر الوساطة العُمانية على دول الإقليم القريبة، بل تخطت ذلك إلى دول الجوار في شمال أفريقيا، فوصلت إلى الجزائر وتونس».
ويختتم الحطاب حديثه لـ«الشبيبة» قائلاً: السياسة الخارجية العُمانية اليوم وعشية عيد الوطني للعام 2016 ما زالت تشكل نموذجاً وقدوة ليست للعُمانيين فقط، وإنما لكثير من دول المنطقة والعالم، وما زالت تحظى بالاحترام، فقد كانت صائبة وقادرة على تمييز نفسها عن الصراعات والحرائق والتبعية، وظل السلطان قابوس يرعى هذه السياسة ويوجهها، ويبعد القلق عن العُمانيين بمزيد من ترسيخ مصالحهم، والتأشير إلى مستقبلهم، وظلت السياسة العُمانية راسخة ومتوازنة وثابتة حتى اليوم، وإلى مستقبل الأيام؛ لأنها بُنيت على أصول ثابتة وتمتعت بالمؤسسية وتقاليد عُمان التاريخية».
ويرى خبراء بريطانيون ومنهم المتخصصة بشؤون منطقة الخليج، جين كينونمونت، أن عُمان تطبق سياسة واعية جداً ومدركة لدورها بالحفاظ على أمنها بعدم التدخل في شؤون الآخرين والسعي إلى تطويق المناطق الساخنة بسياسة خارجية هادئة. وهذا الرأي تتضح مصداقيته بشأن الأزمات المتفجرة من موضوع اليمن وحتى الموقف في سوريا والعلاقات مع إيران والبحث عن طرق لتفعيل التفاوض لتجنب الاصطدام.
وزير الدفاع البريطاني السابق، ليام فوكس، عبَّر في عدة مناسبات عن إعجابه وتقديرهِ لسياسات السلطنة، وقال في تصريحات صحفية: إن مواقف السلطنة المعتدلة وغير المنحازة دائماً تسمح لها بالقيام بدور إقليمي ودولي نشط يقوم على حل الخلافات في البؤر المشتعلة عن طريق الحوار والتفاوض والاستماع إلى وجهات النظر الأخرى. ونوَّه إلى أن السلطنة تطبق سياسة واعية لصالح مواطنيها، لذلك تحافظ على علاقات مع الجميع وهي الدولة الوحيدة في العالم التي ليست لها خصومات مع أحد في ظل احترام لخصوصية كل دولة وخياراتها وعدم التدخل في شؤونها.