"الأسيان" تحتاج الى جرعات منشطة

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٧/نوفمبر/٢٠١٦ ٢٣:٣٣ م
"الأسيان" تحتاج الى جرعات منشطة

لي هونج هيب

مع اقتراب الذكرى الخمسين لميلاد رابطة دول جنوب شرق آسيا في العام المقبل، أثار فشلها في التوصل إلى توافق في الآراء بشأن المطالب الإقليمية الصينية في بحر جنوب الصين مخاوف في جميع أنحاء المنطقة. وبالنظر إلى الشرط الذي ينص على أن جميع القرارات تُتخذ بالإجماع، مما يُمَكن الدول الأعضاء المتباينة من حماية مصالحها الوطنية، فإن ذلك يحد من فعالية آسيان في التعامل مع التهديدات الأمنية الناشئة.
ويوضح قانون الإجماع سبَبَ فشل الآسيان في تقديم جبهة موحدة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 الإرهابية في الولايات المتحدة، وفي الحرب اللاحقة التي تقودها الولايات المتحدة على الإرهاب. وبالمثل، كان رد الآسيان هادئا على استفزازات كوريا الشمالية - مثل التجارب النووية الجارية وهجوم عام 2010 الذي أغرق السفينة الحربية تشونان الكورية الجنوبية، مسفرا عن مقتل 46 بحارا - نظرا لتعاطف بعض الدول الأعضاء في الآسيان مع النظام الكوري الشمالي.
وتُعد النزاعات الإقليمية في بحر الصين الجنوبي أقوى مؤشر حتى الآن على أن مبدأ توافق مجموعة آسيان يحد من فعالية المنظمة. وهي مسألة كيفية الرد على تأكيد الذات الصيني المتنامي في المنطقة والذي أثار انقسام الدول الأعضاء في الرابطة أكثر مما فعلت أي قضية أخرى من قبل.
في الاجتماع الوزاري للرابطة في عام 2012، فشلت المنظمة في إصدار بيان مشترك للمرة الأولى في تاريخها، وذلك لأن كمبوديا رفضت السماح بذكر الحوادث الناجمة عن الصين في بحر الصين الجنوبي. في يونيو عام 2016، فشل وزراء خارجية الآسيان في الإشارة في بيان مشترك إلى الحكم التاريخي ضد الصين الذي صدر قبل أسبوعين فقط من قبل محكمة التحكيم الدولية للنزاعات.
ويقود فشل آسيان في العمل على إنهاء قضية بحر الصين الجنوبي حكومات الدول الأعضاء والمواطنين إلى التشكيك في قدرة المنظمة على "الحفاظ على السلام وتعزيزه " – وهو الهدف الأول المدرج في ميثاقه. والأكثر من ذلك، سيجبر الجمود الحالي على الأرجح بعض الدول الأعضاء على معالجة هذه القضية من خلال وسائل أخرى، والتي سوف تعرض للخطر العلاقة الإقليمية والدولية لآسيان في نهاية المطاف.
ينبغي على الآسيان حل معضلة إجماعها، إما عن طريق الإصلاحات الإجرائية أو الابتكارات المؤسسية. بداية ، ينبغي أن تَتبع الاقتراح السابق الذي أدلى به فريق الشخصيات البارزة لآسيان في عام 2006، الذي اقترح عملية اتخاذ القرارات بالأغلبية. مع اتساع أنشطة مجموعة الآسيان، لاحظ فريق الشخصيات البارزة أنه ينبغي "النظر في آليات بديلة ومرنة لصنع القرار"، بما في ذلك التصويت.
لقد احتضن الاتحاد الأوروبي آلية الحكم هذه منذ فترة طويلة، وحتى داخل الآسيان هناك سابقة لاتخاذ القرارات بأغلبية الأصوات، ولاسيما في القضايا الجيوسياسية والأمنية. على سبيل المثال، تشير معاهدة عام 1995 التي أنشأت لجنة في منطقة جنوب شرق آسيا الخالية من الأسلحة النووية إلى أن "عدم التوافق" يمكن أن يجعل القرارات تُتخذ بأغلبية الثلثين.
عندما لا تتمكن الدول الأعضاء في الرابطة من الوصول إلى توافق في الآراء، يجب أن نميز بين نوعين من القضايا لتحديد المسار إلى الأمام: تلك التي لها آثار واضحة على السيادة الوطنية والوحدة الترابية، والحكم الذاتي المحلي لإحدى الدول الأعضاء. وتلك التي لها آثار واضحة على الأمن الإقليمي. ينبغي على الدول الأعضاء في الرابطة إتباع الحالة السابقة، ما لم يقرر البلد المعني خلاف ذلك. لكن في هذه الحالة، يجب أن يكون لها الخيار لإجراء التصويت بالأغلبية.
وفقا لذلك، إذا كان الموضوع له آثار خطيرة على الأمن الإقليمي ولا يتعلق بسيادة دولة عضو معينة وسلامتها الإقليمية، أو استقلالها السياسي، فلا ينبغي أن يسمح لهذه الدولة بتهميش مصالح جميع الدول الأعضاء الأخرى على حساب السلام في المنطقة.
هناك طريقة أخرى للخروج من معضلة التوافق وتتجلى في خلق أطر مؤسسية جديدة. على سبيل المثال، يمكن إنشاء لجنة آسيان لإدارة نزاعات بحر الصين الجنوبي، والتي تعمل من خلال التصويت بالأغلبية لاتخاذ موقف آسيان بشأن هذه القضية والتنسيق مع الصين لحل الخلافات عند ظهورها.
بدلا من ذلك، يمكن للدول الأعضاء في الرابطة التي لها مطالب إقليمية في بحر الصين الجنوبي محاذاة ودرج الدول الأعضاء في الرابطة غير المطالبة. ويمكن لتجمع جنوب بحر الصين ضِمن آسيان تشكيل موقف موحد بين أعضائه قبل اجتماعات الآسيان، وجعل الإجماع على نطاق الآسيان حول القضية أكثر احتمالا.
وإذا فشلت هذه الخيارات، ينبغي على جميع البلدان ذات التفكير المماثل في المنطقة، بغض النظر عن مطالبات بحر الصين الجنوبي أو عضوية الرابطة، تشكيل تجمع أكبر لمعالجة هذه المسألة، من خلال صياغة موقف مشترك على مستوى المنطقة مثل المنتدى الإقليمي لآسيان وقمة شرق آسيا.
في المستقبل، يمكن لهذا التجمع الإقليمي، إذا سمحت الظروف أن يتطور تدريجيا نحو ترتيبات أمن إقليمية أكثر شمولا بقيادة الآسيان. ويمكن للبلدان غير الأعضاء أيضا تقويض وحدة آسيان. لكن هذه مقايضة على الدول الأعضاء في الرابطة قبولها إذا قررت الالتزام الصارم باتخاذ القرارات بالإجماع.
هذا يدل على أنه لا ينبغي التخلي عن مبدأ التوافق. من مصلحة آسيان التوصل إلى توافق في الآراء بشأن القضايا الهامة كلما أمكن ذلك - بما في ذلك نزاع بحر جنوب الصين إذا ثبت عدم تشكيله تهديدا خطيرا للسلام الإقليمي. ولهذه الغاية، ينبغي على الدول الأعضاء في الرابطة تشجيع المزيد من الثقة والتعاون والحوار بينها، ومع الصين أيضا. كما يجب على جميع الدول الأعضاء في الرابطة تحقيق التوازن بين المصالح الوطنية والمصالح الإقليمية الواسعة.
ومن جانبها، يتعين على الصين أن تكون أكثر حساسية تجاه المخاوف الأمنية للدول الأعضاء في الرابطة، والعمل على تحويل بحر الصين الجنوبي إلى فضاء للسلام والازدهار، وليس إلى ساحة للتوترات والتنافس.

زميل في معهد يوسف إسحاق في سنغافورة