فقراء مصر يخسرون «الجنيه»

الحدث السبت ٠٥/نوفمبر/٢٠١٦ ٠٠:٥٨ ص
فقراء مصر يخسرون «الجنيه»

القاهرة - خالد البحيري

رفعت السلطات المصرية درجة استعدادها الأمني تحسبا لأي تظاهرات أو أحداث شغب قد تحدث في أعقاب إجراءات اقتصادية «صعبة» تم الإعلان عنها منذ صباح الخميس الفائت تباعا، بدأت في الثامنة والنصف صباحا من يوم أمس الأول بتحرير سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية مما أفقده نحو 48% من قيمته دفعة واحدة، وقبل أن ينقضي ذلك اليوم تم زيادة أسعار المحروقات من بنزين وسولار ومازوت وغاز طبيعي وبوتاجاز.

وتباينت ردود فعل المواطنين إزاء هذه الإجراءات تباينا كبيرا، ففي الوقت الذي دافع فيه البعض بضراوة عن هذه القرارات واعتبارها «الدواء المر» الذي يجب تجرعه ومعالجة «حالة الانسداد» التي تعاني منها شرايين الاقتصاد المصري، رأى الكثيرون أنها تزيد من معاناة الفقراء وتدفع إلى موجه تضخمية عالية، خاصة وأن شبكة الحماية الاجتماعية التي أعلنت عنها الحكومة غير واضحة المعالم ويصعب تنفيذها في مدى زمني قصير.
وحشدت الحكومة منذ إعلان قراراتها كل رؤساء البنوك المصرية تقريبا للحديث في وسائل الإعلام الرسمية والخاصة للحديث عن فوائد «تعويم الجنيه» واعتباره «خطوة تصحيحية» لأخطاء دامت لنحو 40 عاما، وأن ما يعود بالفائدة من ورائها أعظم بكثير من الإضرار التي ستلحق بالمواطن البسيط.
وعلى غير العادة تم استدعاء الإعلاميين في يوم إجازتهم وخاصة مقدمي برامج التوك شو الرئيسية مثل لميس الحديدي وأحمد موسى وغيرهما لترويج تلك القرارات، ومحاولة امتصاص غضب المواطنين، وتوضيح وجهة نظر الحكومة عبر الاستعانة بخبراء من «العيار الثقيل»، بدءا بوزراء في المجموعة الاقتصادية، ومرورا برؤساء البنوك، واتحاد الصناعات، وأعضاء مجلس النواب، وصولا إلى خبراء الاقتصاد، وهم ضيوف يبدو أن اختيارهم تم بعناية فائقة، ولم يكن هناك على مدى اليوم ولساعات متواصلة أي صوت يهاجم القرارات، أو يتخوف من تداعياتها السلبية على المواطنين وبخاصة محدودي الدخل.
وبرر الأستاذ بجامعة الزراعة د. نادر نور الدين ما سبق بالقول: «لا تسأل أي غني أو رجل أعمال عن رأيه في قرارات تعويم الجنيه وزيادة أسعار الوقود.. هم يعلمون أن الغلابة فقط يدفعون ثمن الإصلاح، لذلك يوافقون عليها موافقة مطلقة».
وبطريقته الساخرة انتقد الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية د. حازم حسني أداء الإعلام المصري لتبرير قرارات 3/‏11 قائلا: «أحد كبار الرأسماليين المصريين -بل والعالميين- خرج علينا الخميس على إحدى الفضائيات لينصح المصريين بأن يكونوا وطنيين، وألا يحاول كل منهم تحقيق مصالحه ويدور على مكسب كم يساوي جنيه مقابل بضعة دولارات تم جمعها للأيام السوداء.. طبعاً ربنا يزود ملياراته، وأكيد لا أحد من المصريين الطيبين ينظر إلى رزقه، لكن يا ريت هو أيضا لا ينظر إلى بقية المصريين المستورين».
ومنذ الإعلان عن هذه القرارات تزايدت الدعوات عبر صفحات وبرامج التواصل الاجتماعي للنزول إلى الشوارع في 11/‏11 أو ما يعرف إعلاميا بـ «ثورة الغلابة»، معتبرين أن هذه الحكومة لم تراعي البعد الاجتماعي في قراراتها وألقت بأخطاء سنوات عديدة في إدارة السياسات النقدية على كاهل الفقراء وحدهم برفع الدفع عنهم وأنها لم تجرؤ على الاقتراب من الطبقات الغنية التي تستطيع تحمل الفاتورة بمفردها دون عناء.
واتهم البعض من مؤيدي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والمدافعين عن سياساته الحكومة بأنها تعمل لصالح جماعة الإخوان المسلمين وأن التوقيت الذي تم إعلان الإجراءات والقرارات فيه يثير الريبة خاصة أنه يأتي قبل أسبوع واحد من المظاهرات المتوقعة يوم 11/‏11.
يذكر أن هذه القرارات تأتي في إطار تعهدات مصر لدى صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قرض بقيمة 12 بليون دولار على 3 سنوات، ومن بينها قانوني الخدمة المدنية والضرائب على القيمة المضافة وتحرير سعر الصرف ورفع الدعم عن السلع والمحروقات.
وتبقى جميع السيناريوهات مفتوحة بالنسبة للشارع المصري، ولا يمكن حتى الآن التكهن بردة الفعل، وما إذا كان سيتحمل مثل هذه القرارات أو يثور في وجه الحكومة معلنا اعتراضه عليها.